السيرة النبوية تجسيدٌ وتمثيلٌ للمبادئ النظرية "السَّامية" التي تضمَّنها القرآن، وهي برهانٌ عمليٌّ على إمكانية تطبيق الإسلام ديناً ودولةً، فبعد أن تنـزّل الدستور الإلهي النظري، دان به رسول الله (ﷺ) في أكمل صُورِه، وتم تجسيده تجسيدًا نموذجيًا ممثلاً في شخصية رسول الله (ﷺ)، ورضي الله بالإسلام دينا قيِّما، فتصرفاتُ الرسول تطبيقٌ عمليٌّ والتزامٌّ دقيق بالإسلام وتعاليمه، ولذلك وصفه الله بقوله تعالى: ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾()، قال ابن عباس في تفسيرها "لعلى دين عظيم"()، وقالت عائشة: "كان خلُقُه القرآن"()، والتَّديُّن العظيم للنبي (ﷺ) التزامٌ بمجموع أحكامه وقضاياه المستمدة من القرآن الكريم، والمقررة في السنة النبوية، فما العلاقة بين النبي الملتزِم، والنبي المشرِّع؟ إنها العلاقة بين السيرة والسنة، وتحاول هذه الورقة تقديم نماذج "مجملة" عن علاقة السيرة النبوية بالحديث النبوي الشريف؛ فتستهل بتحديد مصطلحات البحث، ثم تقوم على المقارنة بينهما يما يبرز العلاقة بين السيرة والسنة من حيث التدوين والتوثيق، ثم تعرض لاهتمام المحدثين بالسيرة النبوية، وعملهم فيها ومحاولة تطبيق منهجهم عليها، وأثر ذلك كله على مضمونها.
وسلكنا في هذه الورقة طريقة "الإجمال" فيما اعتقدنا أنه معروف ومعلوم، ومع ذلك لم نُخْلِ المقام من إيراد استشهادات واستنتاجات معتبرة، معتمدين "المنهج الوصفي التحليلي" في عرض عناصر الموضوع؛ لكن حسبُنا أننا عرضنا - فيما نرى - تصوراً "واضحاً" و"مجملاً" لعلاقة السيرة النبوية بالحديث النبوي الشريف فيما نحسب أنه يفي بالمقصود. واللهَ نسأل أن ينفع به ويرزقنا الإخلاص في القول والعمل.
إشكالية المفهوم :
يراود كل دارس للسيرة سؤال عن ماهيتها، هل هي فن مستقل بذاته؟ أم هي جزء من السنة النبوية؟ أو جزء من التاريخ؟
واختلفت أنظار العلماء حول التصنيف العلمي للسيرة النبوية، فذهب رأي إلى القول بالترادف، واعتبر كلا من السيرة والسنة مترادفين، اعتمادا على اللغة، إذ كل منهما يطلق في اللغة على الطريقة، محمودةً كانت أو مذمومةً، بل إنَّ صاحب مقاييس اللغة عرَّف السنة بالسيرة: فقال: "ومما اشتق منه: السُّنة وهي السِّيرة، وسنَّة رسول الله عليه السلام سيرته، قال الهذلي:
فَلا تَجْزَعَنْ مِنْ سُنَّةِ أَنْتَ سِرْتَهَا            فَأَوَّلُ رَاضٍ سُنَّةً مَن يَسِيرُهَا()
وقد صاحَبَ القول بالترادف بين المصطلحين حتى في التعريف الاصطلاحي، وإن بنوع من العموم والخصوص بينهما من وجه، وللعلماء رحمهم الله اصطلاحاتهم الخاصة في تعريف السنة بحسب الأغراض التي عُنِيَتْ بها كل طائفة منهم:
فعلماء الحديث مثلاً بحثوا في أحوال الرسول (ﷺ)  باعتباره محل القدوة والأسوة في كل شيء، فنقلوا كل ما يتصل به من سيرة وخلق وشمائل وأخبار وأقوال وأفعال. ولذا فالسنة عندهم: "هي ما أثر عن النبي (ﷺ) من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خَلْقية أو خُلُقية، أو سيرة، سواء كان قبل البعثة أو بعدها"().
وأما علماء الأصول() فقد بحثوا في أحوال الرسول (ﷺ) باعتباره المشرِّع الذي يضع القواعد للمجتهدين من بعده، ويؤصل الأصول التي يُستَدَل بها على الأحكام، فعنوا بما يتعلق بذلك، وهي أقواله وأفعاله وتقريراته، فالسنة عندهم: "هي ما صدر عن النبي (ﷺ) من قول أو فعل أو تقرير مما يصلح أن يكون دليلاً لحكم شرعي"().
وأما الفقهاء() فإنهم يبحثون عن حكم الشرع على أفعال العباد وجوباً أو حرمة أو استحباباً أو كراهة أو إباحة، ولذلك فإن السنة عندهم هي ما يقابل الفرض والواجب. فهي أحد الأحكام التكليفية الخمسة: الواجب والحرام، والسنة، والمكروه والمباح.
ومما سبق من تعريفات يتبين أن اصطلاح المحدثين هو أوسع الاصطلاحات لتعريف السنّة، فهو يشمل أقواله (ﷺ) وهي كل ما صدر عنه من لفظه. ويشمل أفعاله التي نقلها إلينا الصحابة في جميع أحواله كأداء الصلوات، ومناسك الحج، وغير ذلك، ويشمل كذلك تقريراته وهي ما أقره عليه الصلاة والسلام من أفعال صدرت من بعض أصحابه إما بسكوته مع دلالة الرضى، أو بإظهار الاستحسان وتأييد الفعل.
وتشمل السنة في اصطلاح المحدثين() صفاته الخَلْقية وهي هيأته التي خلقه الله عليها، وأوصافه الجسمية والبدنية، وصفاته الخُلُقية وهي ما جبله الله عليه من الأخلاق والشمائل، وتشمل كذلك سيرته (ﷺ) وغزواته وأخباره قبل البعثة وبعدها.
وقد دوّن المحدثون هذه السّنّة جميعَها، وتلك الأقسام، وحفظوها في أمهات كتب السّنّة ومصادر السيرة النبوية الشريفة التي تشهد بجهدهم وحراستهم وحمايتهم لهذا الدين().
فأدخل أصحابُ هذا التعريف السِّيرة في حد السُّنة على أنها جزء من أجزائها، ومن هذا الوجه فالسنة أعم من السيرة، بينما مايز الأصوليون بين السنة والسيرة، فاستثنوا من التعريف لفظتي "صفة" و"سيرة"؛ لأنهم يبحثون في الأمور التشريعية العَمَليَّة. بينما هي - في تطبيق المحدثين ومصنفاتهم - جزء من الحديث، حيث إن كتب الحديث أفردت لها باباً يعرف باسم "المغازي والسِّيَر" يشمل أحاديث تتعلق بموضوعه إلى جانب أبواب أخرى ترتبط ارتباطا وثيقا بالسيرة النبوية إلى جانب كتب السنن كالطهارة والصلاة والتفسير وما أشبه، وخصوصا الجوامع منها، وقد سمى البخاري صحيحه بـ: "الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور النبي (ﷺ) وسننه وأيامه". فجعل أيام النبي (ﷺ) عديلا لسننه، وبوب لبدء الخلق، والمناقب، والفضائل، والمغازي، وبوب مسلم في جامعه للجهاد والسير، مزج فيه بين السيرة وفقهها، وبوب للفضائل وبوب الترمذي في جامع لأبواب المناقب، ثلاثة عشر بابا منها في النبي (ﷺ)، بينما لم تتناول كتب السنن شيئا من هذه الأبواب فلم يذكر شيئا من ذلك لا ابن ماجه ولا أبو داود ولا النسائي، نعم بوب الإمام مالك في موطأ لـ: "صفة النبي (ﷺ)"، ولـ: "أسماء النبي (ﷺ)" ضمن كتاب الجامع للموطأ، وبوب الإمام عبد الرزاق الصنعاني في المصنف للمغازي جمع فيها السيرة والمغازي والفتوح وبعض من أحاديث من قبلنا، وشيء مما شجر بين الصحابة، وفي مصنف ابن أبي شيبة أقضية رسول الله (ﷺ)، وكتاب الفضائل وكتاب السير، وكتاب التاريخ، وكتاب المغازي، وكتاب الجَمَل.
والسنة في علم الاعتقاد هي الطريقة المسلوكة، فيشمل ذلك التمسك بما كان عليه (ﷺ) وخلفاؤه الراشدون من الاعتقادات والأعمال والأقوال وهذه هي السنة الكاملة() استناداً إلى ما جاء في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظنا رسول الله (ﷺ) يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال رجل: إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟ قال: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليـكم عبد حبشي فإنه من يعش منكم يرى اختلافا كثيرا وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة فمن
أدرك ذلك منكم فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ»().
فالمحدثون نظروا إليها باعتبار كل ما صدر عن النبي (ﷺ).
والأصوليون نظروا إليها باعتبار ما يصلح أن يكون دليلاً شرعياً.
والفقهاء نظروا إليها باعتبارها حكماً تكليفياً فهي أحد الأحكام التكليفية الخمسة.
وعلماء الاعتقاد نظروا إليها باعتبار ثبوتها بالدليل الشرعي فما يخالفها يعتبر بدعة فهي قسيم البدعة استناداً إلى ما جاء في حديث العرباض الذي سبق ذكره.
بينما السيرة النبوية تتميز بخصائص أخرى لم يهتم بها أهل الفقه والأصول والحديث، ومن أهمها أنها تؤرخ لمرحلتين:
- مرحلة ما قبل التشريع، تمتد من ولادة النبي (ﷺ) إلى يوم بعثه وهي بهذا الاعتبار تاريخ محض.
- ومرحلة ما بعد البعثة إلى أن اختار الرفيق الأعلى.
والمؤرخون دون استثناء يدرجون السيرة بمرحلَتَيها في التواريخ العامة التي ألَّفوها، واعتبر ابنُ خلدون السيرة جزءا من التاريخ حين قال: «فإن فن التاريخ من الفنون التي تتداوله الأمم والأجيال، وتشد إليه الركائب والرحال... هذا وقد دون الناس في الأخبار وأكثروا، وجمعوا تواريخ الأمم والدول في العالم وسطروا.. مثل ابن إسحاق والطبري وابن الكلبي ومحمد بن عمر الواقدي وسيف بن عمر الأسدي وغيرهم»(). فلم يفرق ابن خلدون بين ما ألفوه في السيرة وما ألفوه في التاريخ، فيجوز أن نستمد من كلامه أن السيرة جزء من التاريخ. وقد زاوج القِنَّوْجي (1307هـ) في أبجد العلوم() في تفريع السيرة فعدها من فروع علم التواريخ ثم من فروع علم الحديث لَمَّا كان ثبوتُها بالأحاديث والآثار. و"السيرة" في تطبيق مؤرخي السيرة هي حياة النبي (ﷺ) بكل ملامحها وتفصيلاتها، فهي أقرب إلى التأريخ التفصيلي للإسلام ممثلاً بشخصية النبي وخلفائه الراشدين وصحابته الكرام والأحداث التاريخية التي دارت بين الإسلام ومناهضيه.
إن هذا التنازع في اعتبار السيرة جزءاً من السنة أو فرعاً من علم التاريخ أو غير ذلك مرده إلى تنوع مصادر السيرة النبوية، فمادة السيرة النبوية مادة علمية تستمدت من القرآن ومن السنة ومن الروايات التاريخية. فهي فن يستمد من الأصول التشريعية – القرآن والسنة – ويستمد من علم التاريخ. مما أحدث إشكالا في تحديد مفهوم السيرة.
إشكالية تحديد مفهوم السيرة :
قد تبدو إثارة هذا الإشكال ترفا من القول، والواقع أن موضوع السيرة يحتاج إلى وقفة، فالدارس لتاريخ التصنيف في السيرة تقابله هذه العناوين: "المغازي"، و"المغازي والسير"، و"السير"، و"السيرة النبوية"، و"المبتدأ والمبعث والمغازي" و"أحوال المصطفى"، و"أخلاق النبي"، و"أعلام النبوة"، و"دلائل النبوة" و"هدي النبي" و"حقوق النبي"، و"الشمائل النبوية"، فموضوع السيرة حسب التصور الأول هو شخصية النبي (ﷺ)، وما عاشه من أحداث وما شارك فيه من وقائع، وما أشار به من رأي، وما أبرمه من عقود، وما بعث به من رسل ورسائل، وما أثارته بعثته من تغيير وردود أفعال، وما أشاعه من أخلاق، وما حاربه من تقاليد وعادات، وما أنتجه أدباء المرحلة من نصوص، وتزخر كتب السيرة باللغات والأنساب والأشعار، ومن ثم فالتعريف الجامع المختار للسيرة النبوية هو: "علم يعرف به أيام ومغازي وأحوال المصطفى (ﷺ) تفصيلا منذ ولادته ونشأته إلى أن لحق بالرفيق الأعلى (ﷺ)" ويطلق العلماء علي أبواب الجهاد «أبواب السير»؛ لأنها مُتلقاة من أحوال رسول الله (ﷺ) في غزواته (). فالسيرة اصطلاحًا هي تاريخ وقصة حياة، ومؤلفاتها تسمّى: كتب السير، يُقال: قرأت سيرة فلان: أي تاريخ حياته. والسيرة النبوية تعني مجموع ما نقل إلينا من وقائع حياة النبي (ﷺ) وصفاته الخُلقية والخَلقية، مضافا إليها غزواته وسراياه (ﷺ)، والمفارقة أن كثيراً من كتب السيرة الأولى سميت بـ"المغازي"، كمغازي أبان بن عثمان (101هـ) ومغازي عامر بن شَرَاحيل الشعبي (103هـ) ومغازي موسى بن عُقْبة (140هـ) وتذكر كتب التراجم أن ابن إسحاق كان إماماً في "المغازي" وهذا التعبير هو الشائع عند العلماء في عصر الشافعي وما قاربه()، وكأن المغازي فن مستقل، عن السيرة.
بل إن سيرة ابن إسحاق تدخل في أوسع من هذا حيث ضمَّ إلى السيرة غيرها من الأخبار والقصص وغيرها من أخبار أهل الكتاب() حتى جاء ابن هشام فهذبها في "السيرة النبوية" وقد أغفل ما رواه ابن إسحاق مما لم يتفق مع ذوقه العلمي وملكته النقدية، فأصبح كتابه من أوفى مصادر السيرة النبوية، وأصحها، وأدقها، ولقي من القبول ما جعل الناس ينسبون كتابه إليه، فيقولون: "سيرة ابن هشام" بعد اختصاره وتدوينه. فعلاقة السيرة بالسنة إذن هي علاقة عموم وخصوص من عدة أوجه، فتتوافقان في مواضيع، وتنفرد كل منهما بخصائص. فتجتمعان في بيان صفاته (ﷺ) ودلائل نبوته وأحداث حياته، وما أشبه.
وتنفرد السنة بأحاديث الأحكام، والأقوال التي لا تتعلق بحادثة معينة، كالمواعظ والحض على الفضائل والآداب، وأحاديث البيوع والتجارات والربا، وما ماثل.
وتنفرد السيرة بتواريخ الأحداث ومواقعها، وأعداد شهودها، والحديث عن إلإرهاصات التي سبقت المولد، وأحداث الميلاد، والحديث عن خدمه وفرسه، وما شابه ذلك.(3)
على أن طريقة كتابة كل من السيرة والسنة كانت متشابهة لدى الرواد الأوائل من كتاب السِّير، من حيث التزام الإسناد غالبا في الروايات المدوَّنة، مع اختلاف واضح بين الطريقتين في سوق هذا الإسناد. فكُتَّاب السير كانوا غالبا ما يجمعون طرق وأسانيد الرواية أو القصة، ويدخلون الكلام بعضه في بعض، ولا يفردون كلام كل راوٍ، أو متن كل إسناد على حدة، بخلاف المحدثين الذين كتبوا السنة، ويمكن أن ترى هذا واضحا في مغازى الواقدي، وسيرة ابن إسحاق، وطبقات ابن سعد، وغيرها.
بين تدوين السنة والسيرة :
الخلاف مشهور حول موضوع تدوين السنة بين الحظر والإباحة، لكن الحقيقة الثابتة تاريخياً وفق معايير النقد الحديثية أن الحديث دُوِّن في زمنه (ﷺ) على شكل صُحف، وكان عبدالله بن عمرو بن العاص يكتب -كَتَبَ الصحيفة الصادقة-، وهو ما شهد به أبو هريرة()، وثمَّة عدد من الصحف غيرها لعدد من الصحابة فمن بعدهم؛ لكن هذه الصحف لم تَعْدُ كونها مدونات جزئية قاصرة عن مرحلة التدوين بمعنى "التصنيف".
على أن السِّيرة النبوية - وخاصة المغازي - دوِّنت في وقت مبكر وفي مرحلة سابقة على الحديث الذي كان على شكل صحف مفردة، ذلك أنَّ الصحابة اهتموا كثيراً بمغازي رسول الله حتى كانوا يعلِّمونها أبناءَهم كما يعلِّمُونَهم السورة من القرآن، ومن ثم وجدنا أول من دَّون في السيرة في موضوع المغازي - حسب ما نقل الدكتور العُمَري() - عروة بن الزبير بن العوام (94هـ) وأَبَان بن عثمان بن عفان (101 أو 105هـ)، -ويُروى أن كتابَه كبيرٌ، وأنه يبرز فضائل الأنصار- وعامر بن شَرَاحيل الشَّعْبي (103هـ) وله كتاب المغازي، وعاصم بن عمر بن قَتَادة (119هـ) ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري (124هـ) وشُرَحْبيل بن سعد المدني (123هـ) ويزيد بن هارون الأسدي المدني (103هـ) وعبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم(135هـ (وموسى بن عقبة (140هـ) وهو أصحها على صغره - كما يقول الشافعي()، وغيرهم حتى جاء ابنُ إسحاق (151هـ). والذي يبدو من خلال هذه المعطيات أنَّ كثيراً من المصنفات قبل ابن إسحاق كانت في الغالب تقتصر على ذكر المغازي وبعض ما يتصل بها، حتى جاء ابن إسحاق فوضع كتابه على ثلاثة أقسام: المبتدأ والمبعث والمغازي؛ "المبتدأ" وتناول فيه تاريخ الأنبياء إلى نبينا(ﷺ)، و"المبعث" وخصصه لحياة الرسول (ﷺ)، و"المغازي" تعرض فيه لنشأة الدولة الإسلامية في المدينة وتَحَوّل الدعوة من الدفاع إلى "المبادرة"()، حتى جاء ابن هشام (218هـ) واختصره، ومن ثَمَّ لقي من العناية ما لقي، واعتُبر عمدة المغازي والسير لاشتماله على أحداث السيرة بصفة عامة، حتى قال الذهبي «كان أحد أوعية العلم حبرا في معرفة المغازي والسير... والذي تقرر عليه العمل أن ابن إسحاق إليه المرجع في المغازي والأيام النبوية»().
وقد جعل الشافعي نقل جمهور أهل المغازي والمشهور عندهم معادلا للإسناد الصحيح المتصل. حيث قال: «وقد قيل: تذبح خيلهم وتعقر، ويحتج بأن جعفرا عقر عند الحرب، ولا أعلم ما روي عن جعفر من ذلك ثابتا لهم موجودا عند عامة أهل المغازي، ولا ثابتا بالإسناد المعروف المتصل»(). وقال أيضا: «فإن قال قائل: فقد روي أن جعفر بن أبي طالب عقر عند الحرب؟ فلا أحفظ ذلك من وجه يثبت على الانفراد، ولا أعلمه مشهورا عند عوام أهل العلم بالمغازي»().
فترى الشافعي هنا قد جعل عدم شهرة خبر العقر عند أهل المغازي يعادل عدم ثبوته بالإسناد المتصل على الانفراد من أخبار الآحاد، وهذا يدل على أنه يحتج إما بخبر آحاد متصل ثابت، أو بخبر مشهور عند أهل المغازي، وإن لم يتصل أو لم يكن له إسناد، فالشهرة عندهم كافية في نظر الشافعي، لأن هذا الفن فنهم وهم أعلم به من غيرهم.
واحتج الشافعي أيضا برواية بعض أهل العلم بالمغازي على جواز قتل الأسير صبرا حيث قال ـ كما نقله عنه البيهقي ـ «أنبأ عدد من أهل العلم من قريش وغيرهم من أهل العلم بالمغازي: أن رسول الله (ﷺ) أَسَر النَّضرَ بنَ الحارثِ العبدي يوم بدر وقتله بالبادية أو الأثيل صبرا، وأسر عقبة بن أبي معيط فقتله صبرا»، قال البيهقي: «رويناه عن محمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي»().
وقال حرملة بن يحيى عن الشافعي: «من أراد أن يتبحر في المغازي فهو عيال على محمد بن إسحاق» ().
ومعلوم أن هذا في مغازي ابن إسحاق عن بعض شيوخه في سياقه لغزوة بدر كما عند ابن هشام()، ولم يجد له البيهقي إسنادا فعزاه إلى مغازي ابن إسحاق واكتفى بذلك، لأن ابن إسحاق وكتابه المغازي حجة إمام في هذا الفن، لا يرد قوله فيها إلا بما هو أرجح منه.
وقد وثق الإمام مالك أيضا مغازي موسى بن عقبة وثبتها حين قال: «من كان في كتاب موسى بن عقبة قد شهد بدرا فقد شهد بدرا، ومن لم يكن في كتاب موسى بن عقبة فلم يشهد بدرا»().
وهو احتجاج صريح بمغازي موسى بن عقبة مصدرا للمغازي والسير، بغض النظر عن الإسناد ـ إذ إن موسى بن عقبة قد ذكر أسماء من شهدوا بدرا سردا دون أسانيد كما عند ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني، قال حدَّثَنا يعقوب بن حميد حدّثَنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن الزهري به. ثم قال ابن أبي عاصم: وهذه التسميةُ روايةُ موسى بن عقبة عن الزُّهْرِيّ وفي رواية بن إسحاق غير اسم قد خالف فيه ثم سرد الأسماء()... وكذا سردها محمد بن إسحاق في المغازي سردا بلا إسناد.
والإمام مالك حين اطلع على مغازي موسى بن عقبة قرر أنها أصح المغازي التي صنفت، ورأى الاحتجاج بقول موسى بن عقبة فيها، ونص على أسماء أهل بدر مع أنه ليس هناك أسانيد في اسم كل رجل منهم اللهم ما ذكره أئمة المغازي والسير وهم أعلم بفنهم كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
وعدل مالك تلك المغازي حين قال: «عليكم بمغازي موسى بن عقبة فإنه ثقة»، ـ وفي رواية أخرى عنه ـ: «عليكم بمغازي الرجل الصالح موسى بن عقبة فإنها أصح المغازي»... وكان ابن معين يقول: «كتاب موسى بن عقبة عن الزهري من أصح هذه الكتب»().
قال الحاكم -قد ذكر جماعة من الأئمة-: «إن أصح المغازي كتاب موسى بن عقبة عن ابن شهاب»().
فتبين أن خصائص السيرة كانت حاضرة في منهج النقد وخاصة عند الفقهاء المحدثين.
خصائص متعلقة بتدوين السيرة :
تكاد تتفق مؤلفات المؤرخين حتى ابن خلدون (808هـ) على منهج جَمْع الأخبار وسرد الأسانيد دون أي تحليل أو تعقيب، وفيما يخص الترتيب:
فقد اعتمد وهْب بن مُنَبِّه (110هـ)، وابن إسحاق(151هـ) على التأريخ من بدء الخليقة، وكان ذلك أول محاولة - فيما نعلم - للتأريخ الشامل
ثم تبعهما في التأريخ العام للعالَم الدينوري (282هـ) واليعقوبي (284هـ) ثم الطبري (310هـ) الذي يُعَدُّ أبرز كتَّاب التاريخ وأهمهم، وقد اعتمد بشكل رئيس على الإسناد لكونه محدثاً. واعتمد معمر بن راشد (153هـ) في مغازيه على ترتيب الأخبار على أساس موضوعي على نحو ما فعل في (الجامع) الذي يعد من أوائل المجموعات الحديثية المدونة في السنة().
خصائص تدوين السيرة في الصدر الأول :
لم تخضع كتب السيرة والتاريخ لمنهج النقد الذي كان معزولاً عن الرواية التاريخية ومستثمرًا بشكل ضخم في الرواية الحديثية فيما عدا الكتب التي أفردت بابًا خاصًا للمغازي والسير من كتب السنة كالبخاري، وهذا يعود لسببين:
الأول: موقع كل من الروايتين وأهميتها، فالرواية الحديثية تتعلق بالحلال والحرام، ولذلك لم يتساهل فيها المحدثون أنفسهم()، ومن ثم وجدناهم تكلموا في ابن إسحاق ونزلوا بروايته  الحديثية عمن يُحْتَجُّ به()، فابنُ إسحاق ثقة حسن الحديث ولكنه ليس حجة، بينما اعتبروه إمامَ أهل المغازي، وقد يكون تساهلُه في قبول الأخبار سبَّب المنافرَةَ بينه وبين الإمام مالك الذي كان يشترط الصحيح ويشدد فيه(). وحتى الإمام أحمد بن حنبل، قال فيه: «لم يكن يحتج به في المسند»() وكذلك الحال في الواقدي الذي كذَّبه بعضُهم، واحتج به آخرون في المغازي.
الثاني: الفرق الجوهري بين المحدث والمؤرخ الذي أطلق عليه اسم (الأخباري) عند المحدثين(). فالمؤرخ إنما يعتني بتوثيق الحدث وإيراد كل ما عنده من أخبار وقرائن تثبت ذلك تبعا لقاعدة "إن كنت ناقلا فالصحة، وإن كنت مدعيا فالدليل"(). بينما يتوجه المحدث إلى تحري الرواية عن الرسول (ﷺ) وتمييز المقبول من المردود لأنه يتكلم في الحلال والحرام.
ومهما يكن فقد اعتمد العلماء في الصدر الأول -القرون الثلاثة الأولى- على قاعدة مفادها: «من أسند إليك فقد أحَالك»() ومن ثم كانوا يوردون الأخبار بأسانيدها، والعهدة على الإسناد؛ لكون ذلك شائعًا في تلك المرحلة التاريخية. وإلى حدود هذه الفترة فلا فرق في نقل الخبر بين المحدث والإخباري().
ولم يتم توظيف منهج النقد في سياق الأخبار التاريخية إلا في محاولات جزئية في الحوادث الخاصة بالسيرة كالمغازي وغيرها مما يتصل اتصالاً وثيقًا بالأحكام أو بشخص النبي (ﷺ) كما وجدنا في بعض الكتب الستة()، وبدا ذلك أيضا عند المتأخرين كابن كثير (774هـ) في البداية والنهاية الذي تعرض فيه لنظرات نقدية مبثوثة في كتابه().
ورغم ذلك فإن هذه المحاولات تبقى محاولات جزئية خاصة باعتبار الوظائف المنهجية لكل من السنة والسيرة النبوية حسب ما تم التنبيه عليه في هذه الورقة.
الوظائف المنهجية العامة للسيرة النبوية:
1 - السـيرة النبويـة هـي السـبيل إلى فـهم شخصية الرسـول (ﷺ)، من خلال حياته
وظروفه التي عاش فيها، للتأكد من أنه (ﷺ) رسول أيده الله بوحي من عنده، ليتخذ قدوة ومثلا للبشرية جمعاء.
‏ 2- تجعل السيرة النبوية بين يدي الإنسان صورة للمثل الأعلى في كل شأن من شؤون الحياة الفاضلة، يتمسك به ويحذو حذوه، فقد جعل الله تعالى الرسول محمدًا (ﷺ) قدوة للإنسانية كلها، حيث قال سبحانه: ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر﴾().‏
3 - السيرة النبوية تعين على فهم كتاب الله وتذوق روحه ومقاصده، فكثير من آيات القرآن الكريم إنما تُفَسِّرها وتجليها الأحداث التي مرت برسول الله (ﷺ).
4 - لسيرة النبوية صورة مجسدة نيرة لمجموع مبادئ الإسلام وأحكامه، فهي تكوّن لدى دارسها أكبر قدر من الثقافة والمعارف الإسلامية، سواء ما كان منها متعلقًا بالعقيدة أو الأحكام أو الأخلاق أو الأخبار والتفاصيل الجزئية للأحداث التاريخية.
5 - السيرة النبوية نموذج حي لمناهج التربية والتعليم، يستفيد منه المعلم والواعظ والمحاضر المسلم. فقد كان الرسول محمد (ﷺ) معلمًا ناجحًا ومربيًا موفقا، لم يأل جهدًا في تلمس أجدى الوسائل النفسية في التربية والتعليم، خلال مختلف مراحل دعوته.
6 - من خلال السيرة نتعرّف على جيل خير القرون من الصحابة والتابعين، وكان سلوكه تطبيقا للقرآن، ولسنة رسول الله (ﷺ).
7-  تمتاز سيرة الرسول (ﷺ) بأنها نُـقلت إلينا كاملة في كلياتها من القرآن والسنة وفي جزئياتها عبر الأخبار التاريخية، ولا تملك الإنسانية اليوم سيرة شاملة لنبي غير السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلوات والتسليم.
وهذه الوظائف المنهجية تتحصل من مواد متجانسة وغير متجانسة في بنيتها ومنهج نقدها، مما يحيل على دراسة إشكالية نقد السيرة والوقوف على خصائصها.
إشكالية نقد السيرة إشكالية منهج :
إن إطلاق دعوى انتساب السيرة للسنة عند تحديد المفهوم الاصطلاحي، أورث لنا إشكالا في منهج نقدها، فبأي منهج نُحْكِم السيرة بمنهج المحدثين أم بمنهج المؤرخين؟، إننا لا نشك في أن السيرة تؤرخ لمرحلة زمنية تاريخية، وهي بهذا الاعتبار جزء من التاريخ، لكنها مرحلة زمنية مميزة، تتمحور حول شخصية معينه ارتبط التشريع بأقوال صاحبها وتصرفاته وأحواله وتقريراته، فهي بهذا الاعتبار سُنَّة، ثم إنها مرحلة زمنية تناولتها مصادر مختلفة؛ تتقاسمها مجموعة من العلوم، فاستخلاصها وتخليصها ينتج لنا فنا قائما بذاته؛ إنه فن السِّيرة النبوية، لم ينتبه له جملة من العلماء والدارسين والمهتمين من أهل الفضل والعلم.
فذهب الشيخ علي الطنطاوي إلى إخضاع التاريخ لمنهج المحدثين، ففي سياق حديثه عن التأريخ للسيرة قارن بين رواية المؤرخين والمحدثين قائلا: «ثم إن رواية المؤرخين رواية عامية، والرواية العلمية هي رواية المحدثين، لذلك كان المرجع الأول لتاريخنا ما رواه المحدثون، وكان الجاهل بمصطلحهم وعلمهم لا يُعَدّ مؤرخا ولو كتب التاريخ، وكتب التاريخ هذه هي المواد الأولية للتاريخ، وليست هي التاريخ لأن تاريخنا لم يُكتَب ولابد من تنقيتها أولاً ثم ترتيبها ثم إدخالها المصنع لتصير حينئذ تاريخًا بيِّنًا لأمتنا»().
فالمؤرخ المعتبر حسب الشيخ علي الطنطاوي هو من يكتب التاريخ بمنهج المحدثين، فالمؤرخ حسب رأيه يجب أن يكون محدثا، وإن اختلفت خصائص كل واحد منهما، فالحديث له خصائص باعتباره وحيا ومصدرا تشريعيا وما إلى ذلك، والتاريخ له خصائص باعتباره فنا يخبر عن تجربة شخصية أو بشرية"() إذ لا يمكن إخضاع علم لعلم آخر يختلف عنه في بعض الجوانب، وإن وجدت بعض الخصائص التي تثبت العلاقة بين العلمين.
إن علاقة السيرة بالتاريخ علاقة وطيدة، باعتبار أن السيرة جزء من التاريخ، وباعتبار توافق جملة من خصائص التاريخ وخصائص السيرة النبوية، وتوافق جملة من فوائد دراسة التاريخ وفوائد دراسة السيرة النبوية.
ويمكن أن نجمل تلك الفوائد في النقاط التالية :
1- معرفة السنن الربانية: يقول الله تعالى:
- ﴿قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين﴾()،
- ﴿فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين﴾()،
- ﴿وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد﴾().
والسنن الربانية ثلاثة أنواع:
- سنن خارقة للعادة وغير مألوفة للناس: فهذه آيات وبراهين ومعجزات.
- سنن طبيعية كونية: تعاقب جريان الليل والنهار والشمس والقمر...
- سنن شرعية: متعلقة بأمر الله ونهيه ووعده ووعيده مثل: نصر الله لأوليائه وخذلانه لمن عادى أمره وابتلاء المؤمنين وما أشبه ذلك وتعلق به....
- 2 مداولة الأيام بين الناس: قال الله تعالى: ﴿وتلك الأيام نداولها بين الناس﴾()، فجعل الله الأيام دولا مرة لهؤلاء ومرة لهؤلاء().

- 3هلاك الأمم بانتشار الفساد والظلم باختلاف أنواعها، وقد ذهب ابن تيمية -رحمه الله- إلى القول(): "فإن الناس لم يتنازعوا في أن عاقبة الظلم وخيمة وعاقبة العدل كريمة ولهذا يروى إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة.." وكلامه يوجه لما هو واقع قدرا وكونا، ويشهد له واقع الوضع المعاصر().
- 4 سنة التغيير عن طريق تفعيل التكليف الإنساني: يقول الله تعالى في غزوة أحد: ﴿أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم﴾() فسنن التغيير متعلقة بإصلاح نية المكلف وقصده وهذا من أسباب التغيير المتعلقة بالتكليف، أما النتائج فمردها إلى الخالق: ﴿إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم﴾()
- 5 نصر الله تعالى للمؤمنين: يقول تعالى: ﴿إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد﴾(). فنصر المومنين يكون في مرحلتين الأولى قد يعقبها التداول، والثانية لا تداول فيها، وهي مرحلة النصر الحقيقي الأبدي الذي لا يعقبه تداول والله أعلم.
- 6ومن ذلك سنة التدافع: قال تعالى :﴿ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض﴾() وهذه سنة تربوية يجب الوعي بها، والتحلي بالقيم الإسلامية النبيلة عند المشاركة في هذا التدافع من رحمة وحوار وتعايش وإقناع... وما أشبه.
- 7 التعرف على معالم تاريخ الإنسانية وسيرة العظماء من الأمم والملوك: فتنظر إلى الجوانب العلمية الحضارية المضيئة في هذا التاريخ، فسيرة رسول الله تعالى وسيرة أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين تبرز التجربة البشرية في إدارة شؤون الحياة على أكثر من صعيد.
- 11 الاستفادة من التجربة الناجحة المساعدة على فهم الحاضر، والتخطيط للمستقبل، واجتناب التجربة الفاشلة بالاستفادة من عواقبها على كل الأصعدة.
- 12 الاستفادة من التاريخ والسيرة في الجانب التربوي: قال الله تعالى: ﴿أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتدهْ﴾()، وقد صح عن النبي (ﷺ) أنه قال: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي"().
فهذه جملة من العناصر تبرز العلاقة بين علم التاريخ والسيرة لعلها سبب ما وقع لبعض مفكري الإسلام من خلط منهجي بين العلمين وهذا يستدعي تجلية المفهوم ليتضح المقام ويستقيم المنهج المطابق لفن السيرة.
منهج النقد بين رواية الحديث والسيرة النبوية :
يختلف منهج النقد عند المحدثين بين رواية الحديث والسيرة النبوية. وسبق أن أشرت إلى أن للمحدثين نظراتٍ نقديةً متميزةً في كتب المغازي، نعرض لبعض نماذجها من كتب ابن إسحاق والواقدي وموسى بن عقبة لنقف على المنهج المتبع في كلتا الحالتين.
1 - النقد الموجه لابن إسحاق:
اهتم كثير من النقاد الفاحصين بالآثار والأخبار المتعلقة برسول الله تعالى وأبدوا وجهة نظرهم فيها، واستدلوا بمنهج متميز على نقد مصنفات السيرة وخاصة كتب المغازي والسير.
قال الخطيب البغدادي: «أما المغازي فمن المشتهرين بتصنيفها وصرف العناية إليها محمد بن إسحاق المطلبي ومحمد بن عمر الواقدي، فأما ابن اسحاق فقد تقدمت منا الحكاية عنه أنه كان يأخذ عن أهل الكتاب أخبارهم ويضمّنها كتبه وروي عنه أيضًا أنه كان يدفع إلى شعراء وقته أخبار المغازي ويسألهم أن يقولوا فيها الأشعار ليلحقها بها...»().
وقال ابن عدي: «لو لم يكن لإبن إسحاق من الفضل إلا أنه صرف الملوك عن الإشتغال بكتب لا يحصل منها شيء إلى الإشتغال بمغازي رسول الله صلى الله عليه و سلم ومبعثه ومبتدأ الخلق لكانت هذه فضيلة سبق بها إبن إسحاق ثم بعده صنف آخرون ولم يبلغوا مبلغ إبن إسحاق فيه وقد فتشت أحاديثه الكثيرة فلم أجد في أحاديثه ما يتهيأ أن يقطع عليه بالضعف وربما أخطأ أو وهم في الشيء بعد الشيء ولم يتخلف في الرواية عنه الثقات والأئمة وهو لا بأس به»().
وقال الذهبي: «لا ريب أن ابن إسحاق كثَّر وطَوَّل بأنساب مستوفاة اختصارها أملح، وبأشعار غير طائلة حذفها أرجح، وبآثار لم تصحح، مع أنه فاته شيء كثير من الصحيح لم يكن عنده، فكتابه محتاج إلى تنقيح وتصحيح، ورواية ما فاته»().
2 - النقد الموجه للواقدي:
قال الخطيب البغدادي: «وأما الواقدي فسوء ثناء المحدثين عليه مستفيض، وكلام أئمتهم فيه طويل عريض.. » قال الشافعي: «كتب الواقدي كذب... »، فما روي من هذه الأشياء عمن اشتهر تصنيفه وعرف بجمعه وتأليفه: «هذا حكمه فكيف بما يورده القصاص في مجالسهم ويستميلون به قلوب العوام من زخارفهم ؟! إن النقل لمثل تلك العجائب من المنكرات، وذهاب الوقت في الشغل بأمثالها من أخسر التجارات»(). وقال أبو داود: «ليس ننظر للواقدي في كتاب إلا تبين لنا أمره، وروى في فتح اليمن وخبر العنسي أحاديث عن الزهري ليست من حديث الزهري»().
وقال ابن حبان: «كان - يعني الواقدي- يروي عن الثقات المقلوبات، وعن الأثبات المعضلات حتى ربما سبق إلى القلب أنه كان المتعمد لذلك»().
وقال ابن عدي: «متون أخبار الواقدي غير محفوظة هو بَيِّن الضعف والبلاء منه».) )
قال الذهبي في السير(): «صاحب التصانيف والمغازي العلامة، إمام أبو عبد الله، أحد أوعية العلم على ضعفه المتفق عليه... وجمع فأوعى وخلط الغث بالسمين والخرز بالدر الثمين فاطرحوه لذلك، ومع هذا فلا يستغنى عنه في المغازي وأيام الصحابة وأخبارهم».
3 - الحكم على مغازي موسى بن عقبة:
تعد مغازي موسى بن عقبة من أصح المغازي كما وصفها تلميذه مالك بن أنس، حين قال: «عليكم بمغازي موسى بن عقبة فإنه ثقة ـ وفي رواية أخرى عنه ـ عليكم بمغازي الرجل الصالح موسى بن عقبة فإنها أصح المغازي...وكان ابن معين يقول كتاب موسى بن عقبة عن الزهري من أصح هذه الكتب»().
وقال الشافعي فيها: «ليس في المغازي أصح من كتابه (يقصد موسي) مع صغره وخلوه من أكثر ما يذكر في كتب غيره»، وقال الإمام أحمد: «عليكم بمغازي موسي بن عقبة فإنه ثقة»(). وقال الذهبي: «وأما مغازي موسى بن عقبة فهي في مجلد ليس بالكبير سمعناها وغالبها صحيح ومرسل جيد، لكنها مختصرة تحتاج إلى زيادة بيان وتتمة»().
يتبن مما سبق أنهم كانوا يلمزونهم بما يتبين لهم في رواية الحديث، ويصرحون باعتماد روايتهم مع ذلك في المغازي والأخبار. مما يوحي بتباين في منهج نقدهم باعتبار الفن الذي يروى عنهم. لاختلاف خصائص وأهداف وغايات كل فن.
وبالمثال فإنه من المعلوم أن كتاب مغازي الزهري ـ سواء رواية ابن إسحاق عنه أو رواية ابن عقبة عنه ـ أكثره مراسيل يحكيها الزهري كخبر واحد في سياق واحد من كلامه أو كلام شيوخه، ومع ذلك لا خلاف بين أهل العلم على الاحتجاج بمغازي الزهري هذه التي يرويها عنه ابن إسحاق وموسى بن عقبة، بخلاف مراسيله خارج كتابه المغازي والسير فقد ردها كثير من أئمة الحديث كما قال العلائي: «وكذلك أيضا اختلف في مراسيل الزهري لكن الأكثر على تضعيفها قال أحمد بن أبي شريح سمعت الشافعي يقول يقولون نحابي ولو حابينا أحدا لحابينا الزهري وإرسال الزهري ليس بشيء، ذلك أن نجده يروي عن سليمان بن أرقم، وقال أبو قدامة عبيد الله بن سعيد سمعت يحيى بن سعيد يعني القطان يقول مرسل الزهري شر من مرسل غيره، لأنه حافظ وكلما قدر أن يسمي سمى وإنما يترك من لا يستجيز أن يسميه. وقال ابن أبي حاتم ثنا أحمد بن سنان قال كان يحيى بن سعيد لا يرى إرسال الزهري وقتادة شيئا، ويقول هو بمنزلة الريح ويقول هؤلاء قوم حفاظ كانوا إذا سمعوا الشيء علقوه، وروى عباس الدوري عن يحيى بن معين قال مراسيل الزهري ليست بشيء»().
ويتجلى الإشكال في السؤال الآتي: كيف تكون مغازي الزهري ـ وأكثرها مرسل ـ حجة ومرجعا وفي نفس الوقت تكون مراسيله شبه الريح ولا شيء؟!
فتأكد أن الأئمة يفرقون بين ما يرويه الزهري في كتابه المغازي والسير مرسلا فهذا مقبول محتج به لأن الزهري أعلم الناس بالمغازي في عصره، وقد ألف فيها كتابا هو المرجع فيها، بخلاف ما يرويه مرسلا خارج المغازي والسير فهذه أخبار تحتاج إلى اتصال السند وصحته.
وليس المقصود تهميش الإسناد أو التقليل من شأنه في باب الأخبار عموما، بل أردنا توجيه الاختلاف في أقوال أئمة الحديث وأحكامهم على ابن إسحاق، وتفريقهم بين كونه محدثا كغيره من أهل الحديث، وكونه إماما في المغازي يحتج بقوله فيما ساقه من أخبار المغازي. ليتضح لنا الفرق بين منهج النقد فيما يتعلق به كمحدث. ومنهج النقد عندما يتعلق الأمر بالأخبار والمغازي، وكذا التفريق بين أحكامهم على مراسيل الزهري محدثا ومراسيله في المغازي والسير.
وكذا التفريق بين ما يورده موسى بن عقبة في مغازيه بلا إسناد، وما يرويه من الحديث والأخبار التي يشترط لها ما يشترط في رواية كل محدث.
وأكتفي بهذه الأدلة التي أراها مقنعة في ما نحاوله من إثبات الفرق بين منهج النقد الموجه للمحدث ومنهج النقد المقدم للإخباري، وأن النقاد يفرقون بين علم المغازي والسير وعلم الحديث والأثر ولا أدل على ذلك من ابن القيم الجوزية فقد رجح عدم صحة حديث مسلم في شأن زواج النبي (ﷺ) من أم حبيبة احتجاجا بما تواتر عند أهل المغازي حين قال: «فإن قيل بل يتعين أن يكون نكاحها بعد الفتح لأن الحديث الذي رواه مسلم صحيح وإسناده ثقات حفاظ، وحديث نكاحها وهي بأرض الحبشة من رواية محمد بن إسحاق مرسلا، والناس مختلفون في الاحتجاج بمسانيد ابن إسحاق فكيف بمراسيله؟ فكيف بها إذا خالفت المسانيد الثابتة() ووافقت التواتر المعنوي أو الشهرة دون مخالفة»().
ومعلوم أن التواتر عند أهل المغازي والسير في هذه القضية وغيرها ليس تواتر الأخبار بالأسانيد كما عند المحدثين، بل هو ما تواتر عند أئمتهم من العلم وشاع بين شيوخ هذا الفن، وإلا لو بحثنا عن قصة زواج أم حبيبة في كل كتب المغازي لما وجدنا شيئا من هذا التواتر المذكور، لا في هذا الخبر ولا في غيره من أخبار المغازي والسير، حتى قيل في كتب وعلم المغازي ليس لها أصول، أي: أسانيد، بل ألف عروة والزهري كتابيهما بلا أسانيد لعدم الحاجة لذلك، ولهذا لم يستطع ابن القيم أن يذكر إسنادا صحيحا متصلا أقوى مما جاء في صحيح مسلم، ولو وجده لما كان في حاجة ليتكئ على قول أهل المغازي والسير.
وكذا قال ابن القيم في حديث هجر كعب بن مالك في الصحيح: «وقوله (فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا لي فيهما أسوة) هذا الموضع مما عد من أوهام الزهري، فإنه لا يحفظ عن أحد من أهل المغازي والسير البتة ذكر هذين الرجلين في أهل بدر، لا ابن إسحاق، ولا موسى بن عقبة، ولا الأموي، ولا الواقدي، ولا أحد ممن عد أهل بدر»()..
فهنا يرد ابن القيم رواية الزهري في صحيح البخاري المتصلة الإسناد برواية الحفاظ الأثبات لأن أهل المغازي والسير لم يذكروا في مصنفاتهم اسم هذين الرجلين في أهل بدر!
مع العلم بأن كل من سموا أهل بدر من أصحاب المغازي سموهم سردا دون ذكر إسناد؟!
وكان الأولى أن يضاف اسم هذين الصحابيين في أهل بدر بناء على ورودهما في حديث صحيح عند أهل الحديث أجمع الأئمة على صحته ومن رواية الزهري نفسه؟ إلا أن الزهري لم يذكرهما في كتابه المغازي ولا استدركهما موسى بن عقبة ولا ابن إسحاق ولا الواقدي فدل ذلك على أنه لا يعرف أهل المغازي والسير أنهما شهدا بدرا وإن ورد ذكرهما في بعض الأحاديث الصحيحة عند أهل الحديث!
فترى ابن القيم احتج هنا في رد لفظ رواية في صحيح البخاري، واحتج بعدم ذكر أهل المغازي والسير لها، لكون هذا الخبر من فنهم وهم أعلم الناس به. فتبين أن لأهل المغازي والسير اعتبارا عند الفقهاء والنقاد.
محاولات نقد السيرة النبوية :
    مع تطور علم التاريخ واتساعه ونشوء منهج النقد التاريخي ونموه في الغرب حاول بعض المعاصرين توظيف منهج النقد في السيرة فنشأ منهج في التأليف في السيرة عرف بالسيرة الصحيحة طبقه واعتنى به جملة من المعاصرين على رأسهم د.أكرم ضياء الدين العمري الذي ذكر في مقدمة كتابه() أن ستة عشر رسالة جامعية وظِّف فيها منهج المحدثين في نقد روايات السيرة، ويتعلق بنفس السياق فيما يخص نقد المتن محاولة د.أبو شهبة في كتابه "السيرة النبوية من القرآن والسنة"، وفي نفس المساق يندرج عمل ذ محمد عزة دروزة القائم على تحليل الآيات القرآنية المتعلقة بالسيرة في كتابه "سيرة الرسول (ﷺ)". مما يضعنا أمام إشكالية نقد السيرة ـ سندا ومتناـ بمنهج المحدثين.
أثر تطبيق منهجية النقد عند المحدثين على السيرة: إن صياغة السيرة النبوية وبناءها بناءا تاريخيا مرتبا لن يستقيم مع تطبيق منهج المحدثين بقواعده الصارمة، وهو عمل غير منهجي في تقديرنا؛ لأن السيرة النبوية تفتقد حينها اتصال حلقاتها، ذلكم الاتصال الذي نظم عقده علماء المغازي والسير، ثم إن مصادر السيرة لا يمكن بحال أن تخضع لمنهج المحدثين، فمن مصادرها القرآن الكريم، وله منهج خاص نضبط به ما صح من قراءاته متواترها وصحيحها وشاذها، ومن مصادرها السنة النبوية وهي تخضع للنقد الحديثي، ومن مصادرها أخبار تاريخية تخضع للنقد التاريخي.
ومنهج المحدثين وغيرهم في النقد يجب التحقيق فيه بالرجوع إلى ما قاله أهل الفن، للوقوف على خصائصه عند علماء المغازي وغيرهم، وقد تقدم معنا قول الإمام الذهبي في الإمام الواقدي بعدما أورد أنه مطروح الحديث: «أنه لا غنى عنه في المغازي»، بل إن بعض المحدثين يعدل عن طلب إسناد الحديث استغناء بما يتفق عليه علماء السير والمغازي وها هو ابن تيمية حال حديثه عن القينتين اللتين أمر بقتلهما النبي يوم الفتح يقول: «وحديث القينتين مما اتفق عليه علماء السير، واستفاض نقله استفاضة يستغنى بها عن رواية الواحد»() وتلميذه ابن القيم سار على سننه كما تقدم، ولعل أن هذا الأمر هو ما دفع المحدثين القدامى إلى عدم إعمال منهج المحدثين بشكل مفصل وشامل، واكتفوا بإبداء نظرات نقدية عامة في كتب السير على وجه الإجمال، ولم يتناولوا إلا جزئيات خاصة كما سبقت الإشارة إلى ذلك. بل إنهم تساهلوا في الوقائع التاريخية مع المؤرخين، ولم يعاملوا الكل بمنهج المحدثين، وخاصة من أطال النفس في جمع المغازي والسير. ولعلهم كانوا على وعي اعتبارا لمراعاة اختلاف مكونات السيرة النبوية والمنهج الذي يليق بكل عنصر من عناصرها. فقد كان تساهلهم في قبول الرواية التاريخية يكاد يماثل تساهلهم في قبول رواية الأخلاق والفضائل حتى قال أحمد بن حنبل: «إذا روينا عن رسول الله (ﷺ) في الحلال والحرام والسنن والأحكام شددنا في الأسانيد، وإذا روينا عن النبي (ﷺ) في فضائل الأعمال وما لا يضع حكمًا ولا يرفعه تساهلنا في الأسانيد»().
والرأي عندنا أن إعمال منهج المحدثين في النقد على السيرة النبوية إضعاف لمتن السيرة، وتجريد لأحاديثها وما صح منها عن سياقاتها وأسباب ورودها ومقاصدها ووظائفها السالفة الذكر، وإن اعتماد المنهج الحديثي، سيجلعنا ننتقي من السيرة ما يصلح لأن يصنف في السنة، وإنما ذلك يسوغ لو اعتبرنا السيرة مصدرا من مصادر السنة، والعكس هو الصحيح، فنحن ننتقي من السنة الشريفة، ومن القرآن الكريم، ومن مرويات التفسير، وكتب التاريخ والسير والمغازي، وكل الكتب الأخرى التي لها علاقة بالسيرة، ككتب الدلائل، والحقوق، والشمائل، والأخلاق، وما إليها، ما يساعدنا على بناء نص السيرة، ونتعامل في كل فن بمنهجه الخاص به في القبول والرد، وتأسيسا على ذلك فإننا نلاحظ أن توجه عدد من المعاصرين إلى جمع "السيرة الصحيحة" لم يسعفهم أن يلتزموا بـ"الصحيح" و"الحسن" حسب اصطلاح المحدثين؛ لأن الأخبار الموجودة بتلك "الدرجة" لا تغطي جوانب السيرة الكاملة كما هي في مصنفات السيرة النبوية سيرة ابن هشام وغيره.
بل إن السيرة رغم الإسناد الجمعي، ومع أن أغلب أسانيدها مراسيل ومعاضيل، فإن لتضافر رواياتها ما يجعلها من القوة بمكان يؤهلها لنقد نصوص حديثية صحيحة بمنهج المحدثين، فقد وقفت على أوهام وإشكالات حديثية وجه علماء الحديث حلها بروايات أهل السير والمغازي.
فقد اختلف في غزوة المريسيع فذهب الواقدي إلى أنها كانت في شعبان سنة خمس، وقال ابن إسحاق في شعبان من السنة السادسة وصححه جماعة. وفيه إشكال()، فإنه وقع في الصحيحين() وغيرهما أن المقاول() لسعد بن عبادة سعدُ بن معاذ، كما تقدم عند خطبة رسول الله (ﷺ) بسبب أهل الافك().
ولا يختلف أحد في أن سعد بن معاذ مات إثر قريظة، وقد كانت عقب الخندق، وهي في سنة خمس على الصحيح؛ ثم حديث الإفك لا يشك أحد من علماء الآثار أنه في غزوة بني المصطلق هذه، وهي غزوة المريسيع. وقد اختلف الناس في الجواب عن هذا() فقال موسى بن عقبة - فيما حكاه البخاري عنه -(): "إن غزوة المريسيع كانت في سنة أربع، وهذا خلاف الجمهور".
ثم إن في الحديث ما ينفي ما قال؛ لأنها قالت: "وذلك بعد ما نزل الحجاب"، ولا خلاف أن الحجاب نزل صبيحة دخول رسول الله (ﷺ) بزينب بنت جحش، وقال: سأل (ﷺ) زينب عن شأن عائشة في ذلك فقالت: «أحمي سمعي وبصري». قالت عائشة: «وهي التي كانت تساميني() من أزواج النبي (ﷺ)».
وقد ذكر علماء الأخبار أن تزويجه (ﷺ) بزينب كان في ذي القعدة سنة خمس، فبطل ما قال موسى بن عقبة، ولم ينحل الاشكال.
وقال ابن إسحاق: إن المريسيع كانت في سنة ست، وذكر فيها حديث الإفك، إلا أنه قال: عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عائشة، فذكر الحديث - قال: "فقام أسيد بن الحضير فقال: "أنا أعذرك منه"، ولم يذكر سعد ابن معاذ". قال الحافظ أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم(): "وفي مرجع الناس من غزوة بني المصطلق قال أهل الافك ما قالوا، وأنزل الله تعالى في ذلك من براءة عائشة رضي الله عنها، ما أنزل، وقد روينا من طرق صحاح أن سعد بن معاذ كانت له في شيء من ذلك مراجعة مع سعد بن عبادة. وهذا عندنا وهم؛ لأن سعدَ بنَ معاذ مات إثر فتح بني قريظة بلا شك، وفتح بني قريظة في آخر ذي القعدة من السنة الرابعة من الهجرة، وغزوة بني المصطلق في شعبان من السنة السادسة - بعد سنة وثمانية أشهر من موته، وكانت المقاولة بين الرجلين المذكورين بعد الرجوع من غزوة بني المصطلق بأزيد من خمسين ليلة.
وذكر ابن إسحاق()، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، وغيره، أن المقاول لسعد بن عبادة إنما كان أسيد بن الحضير، والوهم لم يعر منه أحد من بني آدم. وبَسَطَ ابن حزم الكلام في ذلك، مع اعترافه بأن ذكر سعد جاء من طرق صحاح().
وقد أبدى ابن كثير رأيه فيما ذهب إليه ابن حزم فقال: «وهو كما قال إن شاء الله، وقد وقع من هذا النمط في الحديث مما لا يغير حكما أحاديث ذوات عدد،، وقد نبه الناس على أكثرها، وقد حاول بعضهم أجوبة لها فتعسف و الله سبحانه و تعالى أعلم»().
ويدل هذا النمط من الوهم في الحديث مما لا يغير حكماً أن كتب المغازي مكملة للرواية الحديثية، غير أنها ليست مصدرا من مصادر التشريع لأنها لا تغير حكما، لكن قد يرجع إليها عند حاجة البحث عن علل بعض الأحاديث المشكلة، فثبت أن ما يحدث من وهم في علم الحديث قد يرتفع بعد تخريج الحديث وعرضه على روايات أهل السير والمغازي، فكل من علم الحديث وعلم السيرة والمغازي يستمد بعضه من بعض.
وهكذا يمكن أن نستنتج قاعدة: أن ضعف السند قد لا يعني دائما ضعف المتن، وصحة السنة لا تعني دائما صحة المتن، لأنه قد يقع لبعض الثقات وهم في المتن، فعند الوقوف على العلة أو الإشكال التاريخي الذي لا يسمح بقبول وصحة الخبر الثابت بالسند، ينظر في متون السير والمغازي لتصحيح الوهم وإن كان سندها غير مسلم على منهج المحدثين في النقد لوجود طعن في راويها. مما يقوي القول بالاحتفاظ بمتن السيرة على حالته وعدم نقده بمنهج المحدثين؛ لأنه سيضيع لنا نصوصا قد يحتاجها أهل الحديث أنفسهم على حالها لأنها فن قائم بذاته.
أما المصدر الثاني للسيرة النبوية والمتمثل في القرآن الكريم فإن الآيات القرآنية المتعلقة بالسيرة النبوية لا تتعدى بضع عشرات من الآيات وهي في مجملها تتحدث عن المغازي (كغزوة بدر، وأحد، وحنين، والعسرة...) ونحو ذلك من البيعة ونشأة الرسول (ﷺ) وغير ذلك، وهي مع ذلك تمتاز بالإيجاز الشديد، ويعود ذلك إلى الفارق بين الصياغة البيانية الإعجازية التي امتاز بها القرآن والصياغة التاريخية التي تعتمد التفصيل والتطويل، بالإضافة إلى أن القرآن يكتفي بالقدر الذي يحقق العبرة والعظة ويحقق المقصود من خطابه.
من هنا نجد أن سيرة د. محمد أبي شهبة التي عنونها بـ "السيرة النبوية من القرآن والسنة" ليست دقيقة لأنها لم تختلف كثيرًا عن كتب السير المعروفة وإن اعتنى بذكر الآيات، ولو طبق ما التزمه في العنوان لكانت سيرته أصغر مما هي عليه الآن، مما قد يقلل من فوائدها التربوية والخلقية، ويضعف من شأنها في التأسي. فالناقدون وفق منهج المحدثين تصبح السيرة النبوية عندهم صفحات معدودة. ونحن نسعى إلى إبراز وظيفة السيرة النبوية وإغناء مادتها وإثرائها لأنها سيرة رسول (ﷺ) يقتدى به ويتأسى به حسب ما جاء به القرآن الكريم "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر". وهي سيرة رسول وجب أن تكون مفصلة ولها معايير وخصائص وقرائن تحفظها من الدخيل.
وقد أحسن صاحب نظرة النعيم في موسوعة السيرة النبوية حين جمع ما يتعلق بموضوعها من القرآن والسنة وأضافه إلى غيره مما جعل موسوعته تصل إلى اثني عشر جزءا.
فعلماء السيرة كما سبق التنبيه إليه يهتمون بالترتيب التاريخي، والأحداث الجزئية دون تحليل لشخصية الرسول (ﷺ)، وكتب المغازي والسير لا تحلل ولا تستنتج، في حين تذكر السنة الجوانب التي يستفيد منها المكلف من دراسة نفسية الرسول (ﷺ) وتدبيره اليومي على أكثر من صعيد. فالدارس يجمع النصوص ويستقرئها ليخرج بأوصاف صاحبها. وبالمناسبة فإن المظان التي اهتمت بأخلاق النبي (ﷺ) وشمائله حسبت على السنة ولو أن موضوعها موضوع السيرة وهي من تأليف المحدثين.
منهج نقد السيرة النبوية :
خلصنا فيما سبق إلى أن لكل فن منهجا خاصا يتعلق بنقده، ومن ثم فمن مناهج نقد السير المقترحة حتى تكون معتبرة:
1- أن تكون السيرة تاريخية، بمعنى أن يكون التاريخ يشهد لها، وأنها ممحصة من قبل التاريخ، وأن آثارها موجودة في التاريخ، وأن التاريخ قد دون هذه السيرة بكل تجرد واستحقاق، وأن السيرة قد استطاعت أن تجد لها مكانة في تاريخ الأمم والشعوب.‏ ومما يشهد لقبول السيرة النبوية بالجملة أنها: تاريخية، فالتاريخ يشهد لها، وأن التاريخ قد محصها، وأن آثارها موجودة في تاريخ البشرية كما هو ظاهر لكل باحث حصيف.
2- أن تكون السيرة جامعة شاملة، أعني أن تشمل قصة الحياة من الولادة إلى الوفاة، وتشمل جميع مجالات الحيات الشخصية والاجتماعية بكل أقسامها وفروعها على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ...
وسيرة الرسول (ﷺ) سيرة جامعة شاملة مفصلة لحياته من الولادة إلى الممات.
3- أن تكون السيرة عملية وواقعية، بمعنى ألا تكون أسطورية، بحيث يصعب على الناس اعتقادها واتباعها والتأسي بها، حتى لا تدخل فيما لا يطاق التأسي به. إذ لو كانت أسطورية لكانت من وحي الخيال، ولو كانت غير محسوسة لما استطاع البشر أن يتأسى بها.
وسيرة الرسول (ﷺ) تستجيب لهذا القيد فهي سيرة يقصد منها الإتباع والتأسي بنص القرآن ﴿لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة﴾، ولهذا فهي سيرة بشرية يسهل على الناس التأسي بها، واقتفاء آثارها، واتباع مسلكها.
وسيرة الرسول (ﷺ) لها شواهد بالجملة دون تفصيل وفق منهج الوحي في الخطاب الشرعي الذي يعتمد الكلية بالإجمال والعموم والإشارة والتنبيه وما أشبه. ولا يفصل في الجزئيات والفروع وإنما يترك التخصيص للاجتهاد التنزيلي لأهل الاختصاص من أهل الفقه والفتوى والقضاء وإن كان مرجع الجزئيات إلى الكلية كما يقول الإمام الشاطبي() «تعريف القرآن بالأحكام الشرعية أكثره كلي لا جزئي وحيث جاء جزئيا فمأخذه على الكلية إما بالاعتبار أو بمعنى الأصل إلا ما خصه الدليل...».
ولذلك فإن ما يدل على اعتبارها أنها:
أولا: أصح سيرة على الإطلاق باعتبار السير الأخرى لأنها شاهدة عليهم، بحيث لا تصح سير العظماء إلا من طريق رسول الله (ﷺ) ومما يدل على ذلك.
قول الدكتور مصطفى السباعي(): «لم نعرف على مدى التاريخ البشري كله أمة من أمم الرسل عليهم صلوات الله وتسليماته سَعُدت بمثل ما جاء في القرآن الكريم عن الرسالة والرسول، ولا بمثل المجموعة الناطقة من الأحاديث النبوية».
ويمكن أن نستشهد لذلك أيضا بقول ابن كثير في قصة المائدة(): «قصة المائدة وإليها تنسب السورة فيقال سورة المائدة وهي مما امتن الله به على عبده ورسوله عيسى لما أجاب دعاءه بنزولها فأنزل الله آية باهرة وحجة قاطعة وقد ذكر بعض الأئمة أن قصتها ليست مذكورة في الإنجيل() ولا يعرفها النصارى إلا من المسلمين فالله أعلم.
ثانيا: الصدق والتكامل في مصادرها المثبتة لمراحلها، وجملة من المراحل والحوادث الماثلة فيها، مما يؤكد وحدة السياق العام في أحداثها، بالإضافة إلى التواتر المعنوي في نقل الأخبار فيها بالجملة. إذ لا يمكن أن تجد في القرآن الكريم جزءا يتعلق بالسيرة يتعارض مع السنة النبوية. فالإيجاز الحاصل بالكلية أو الإشارة في سورة الأنفال مثلا، يكمل تفصيله في السنة، وتعتني السيرة بالجزئيات التي لا يمكن أن تضبط بمنهج المحدثين إلا فيما تعلق باستنباط لأحكام.
وبالمثال أيضا فإن غزوة أحد ذكرت في سورة آل عمران، وتفاصيلها توجد في السنة النبوية، وهي أصول هذه الغزوة وتفاصيلها الجزئية توجد في كتب السيرة النبوية.
ثالثا: الوضوح والتسلسل المنطقي والتكامل في جميع المراحل، فالسيرة النبوية قد اعتنت بقصة حياة الرسول (ﷺ) بصورة متسلسلة مترابطة واضحة ناصعة، واعتنت بكل جوانب حياته التي عرفت الجهد والصبر والمشقة والعناء...
وبالمثال أنه لما توفي أبو طالب «خرج النبي (ﷺ) إلى الطائف (ماشيا) على قدميه يدعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوه، فانصرف فأتى ظل شجـرة فصلى ركعـتين ثم قـال: اللهـم إنـي أشكو
إليك ضعف قوتي وهواني على الناس، أرحم الراحمين أنت أرحم الراحمين إلى من تكلني إلى عدو يتجهمني أم إلى قريب ملكته أمري، إن لم تكن غضبان علي فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي، أعوذ بوجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينزل بي غضبك أو يحل بي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بالله... ورجع إلى مكة بعدما أخرج منها...».()
وهذا ما يؤهلها أن تكون صادقة لأنها تنقل المجد والقهر وتتحرى الصدق والموضوعية والتجرد... للاقتداء والتأسي في جميع مناحي ومراحل وأحوال الحياة باختلاف تقلباتها وظروفها العادية والطارئة.
فهي لا تغلب جانبا على آخر وإنما تميزت بالأمانة والدقة في جميع مناحي الحياة فيما هو إيجابي وما هو دونه، إذ لم تترك صغيرة ولا كبيرة إلا ذكرتها، بخلاف سيرة العظماء الذين يؤثرون صور المجد والظهور، على غيرها من صور الفشل والحزن والثبور... وهذا ما يجعلها دليلا عمليا على صدق الرسول (ﷺ) الذي حظي بالإشراف الإلهي في نشأته و تبليغ دينه، وهذا معيار دقيق للنقد المنطقي الذي يضفي واقعية على سيرته (ﷺ).
رابعا: أنها سيرة مثالية، تشملها العصمة، فلا يمكن أن تجد فيها خطأ، فهي سيرة معصومة بعصمة صاحبها، فالرسول (ﷺ) معصوم من عدة أمور من رب العالمين؛ فهو معصوم من كشف عورته... وهو معصوم من عدم التبليغ... وتبعا لهذه العصمة فسيرته معصومة من التحريف، وهو معصوم... وسيرته معصومة.
خامسا: إن سيرة الرسول (ﷺ) دليل من دلائل النبوة، فكل نبي له من المعجزات ما ذكره القرآن؛ فنوح له معجزة صناعة الفلك ﴿واصنع الفلك بأعيننا﴾()... وموسى له معجزة العصا ﴿وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين﴾()... ومعجزة نبينا في سيرته المجسدة للمثل الكامل فهي باقية تجسد وحيا أوحاه الله إليه... وسيرته مليئة بالمعجزات والكرامات، فما مسألة الغار() وقصة سراقة بن مالك في حادث الهجرة() بغريبة عنا فهي باقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فبقاء دلائل النبوة باق إلى يوم القيامة، فابن عمر كان يتأسى برسول الله (ﷺ) ()... فإذا علم أنه بال تحت شجرة بال تحتها...
وتجسيدها يتجسد بتعدد أصحابه، وتنوع ميزاتهم فكل واحد يجسد جزءا من سيرته، فما يتميز به أحدهم قد لا تجده في الآخر، وفيما بينهم تكامل، فكلهم يبرز صفة من صفاته، أو أوصافا من أوصافه، وبجميعهم يحصل التأسي والاتباع.
وهذه القرائن التي استشهدت بها على صحة سيرة رسول الله (ﷺ) يلتقي بعضها مع منهج المحدثين في نقد المتن، وبعضها الآخر يبقى شاهدا لصحة وقبول السيرة النبوية بصفة خاصة.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

    •  القرآن الكريم.
    •  أبجد العلوم لصديق خان القنوجي، تحقيق عبد الجبار زكار، بيروت، الكتب العلمية 1978م.
    •  الإحكام في أصول الأحكام، تأليف: علي بن أحمد بن حزم الأندلسي أبو محمد، ط.1، دار الحديث، القاهرة، 1404هـ.
    •  الإحكام في أصول الأحكام، تأليف: علي بن محمد الآمدي أبو الحسن تحقيق: د. سيد الجميلي ط. 1، دار الكتاب العربي، بيروت، 1404هـ.
    •  أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير علي بن محمد بن عبد الكريم المؤرخ، دار الفكر 1960م.
    •  الأم، تأليف: محمد بن إدريس الشافعي أبو عبد الله، ط.2، دار المعرفة، بيروت- 1393هـ.
    •  البداية والنهاية، تأليف: إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي أبو الفداء، دار النشر: مكتبة المعارف، بيروت.
    •  تذكرة الحفاظ، تأليف: أبو عبد الله شمس الدين محمد الذهبي ط. 1، دار الكتب العلمية، بيروت.
    •  تاريخ التشريع الإسلامي لمناع القطان الناشر: مكتبة وهبة.
    •  تاريخ اليعقوبي، تأليف: أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح اليعقوبي، دار صادر، بيروت.
    •  تاريخ بغداد الخطيب، البغدادي، دارالكتب العلمية، بيروت.
    •  تاريخ مدينة دمشق وذكر فضلها وتسمية من حلها من الأماثل، تأليف: أبي القاسم علي بن الحسن إبن هبة الله بن عبد الله الشافعي، دار الفكر، بيروت، 1995م، تحقيق: محب الدين أبي سعيد عمر بن غرامة العمري.
    •  تفسير القرآن العظيم، تأليف: إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي أبو الفداء، دار الفكر، بيروت، 1401هـ.
    •  تهذيب التهذيب، تأليف: أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي ط.1، دار الفكر، بيروت، 1404هـ/ 1984 م.
    •  تهذيب الكمال، تأليف: يوسف بن الزكي عبدالرحمن أبو الحجاج المزي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1400هـ/ 1980 م، ط. 1، تحقيق: د. بشار عواد معروف.
    •  جامع البيان عن تأويل آي القرآن، تأليف: محمد بن جرير بن يزيد بن خالد الطبري أبو جعفر، دار النشر: دار الفكر، بيروت – 1405هـ.
    •  الجامع الصحيح المختصر، تأليف: محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي، دار ابن كثير، اليمامة، بيروت، 1407، 1987، ط. 3، تحقيق: د. مصطفى ديب البغا.
    •  جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم لابن رجب الحنبلي، الناشر مؤسسة الريان 2008م.
    •  جامع التحصيل في أحكام المراسيل تأليف: صلاح الدين أبي سعيد بن خليل بن كيكلدي العلائي (ت761هـ) تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، دار عالم الكتب، بيروت.
    •  الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي، تحقيق د. محمود الطحان، الرياض، المعارف 1403هـ.
    •  الجامع الصحيح سنن الترمذي، تأليف: محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي السلمي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
    •  جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على محمد خير الأنام لابن قيم الجوزية، محمد بن أبي بكر بن أيوب، دار العروبة، 1987م.
    •  حجية السنة المؤلف: عبد الغني عبد الخالق، دار الوفاء، 1993م.
    •  الدر المنثور، تأليف: عبد الرحمن بن الكمال جلال الدين السيوطي، دار الفكر، بيروت، 1993م.
    •  تذكرة الحفاظ، تأليف: أبو عبد الله شمس الدين محمد الذهبي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط. 1.
    •  الرسالة المستطرفة، الكتاني، تحقيق محمد المنتصر الكتاني، بيروت، البشائر الإسلامية، ط4، 1986م.
    •  زاد المعاد في هدي خير العباد، تأليف: محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله، مؤسسة الرسالة، مكتبة المنار الإسلامية، بيروت، الكويت، 1407هـ/ 1986 م، ط. 14، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، عبد القادر الأرناؤوط.
    •  سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها للألباني محمد ناصر الدين، المكتب الإسلامي 1983م.
    •  السنة قبل التدوين المؤلف: محمد عجاج الخطيب الناشر: مكتبة وهبة، سنة النشر: 1408هـ/ 1988م.
    •  السنة ومكانتها في التشريع المؤلف: مصطفى السباعي الناشر: دار الوراق، المكتب الإسلامي.
    •  المجتبى من السنن، تأليف: أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي، دار النشر: مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، 1406هـ/ 1986 م، ط.2، تحقيق: عبدالفتاح أبو غدة.
    •  سنن ابن ماجه، تأليف: محمد بن يزيد أبو عبدالله القزويني، دار النشر: دار الفكر، بيروت،  تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي.
    •  سنن أبي داود، تأليف: سليمان بن الأشعث أبو داود السجستاني الأزدي، دار الفكر، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد.
    •  سنن البيهقي الكبرى، تأليف: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو بكر البيهقي، مكتبة دار الباز، مكة المكرمة، 1414هـ/ 1994 م، تحقيق: محمد عبد القادر عطا.
    •  سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق، شعيب الأرناؤوط وغيره، بيروت، الرسالة، ط 9، 1413هـ.
    •  سيرة ابن إسحاق (المبتدأ والمبعث والمغازي)، تأليف: محمد بن إسحاق بن يسار، معهد الدراسات والأبحاث للتعريب1976م، تحقيق: محمد حميد الله.
    •  السيرة النبوية لابن هشام، تأليف: عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري أبو محمد، دار الجيل، بيروت، 1411هـ، ط.1، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد.
    •  السيرة الصحيحة للألباني، المدينة، مكتبة العلوم والحكم، ط. 4، 1993م.
    •  السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية دراسة توثيقية تحليلية، تأليف: مهدي رزق الله أحمد،: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الرياض 1412هـ.
    •  صحيح البخاري محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي، دار ابن كثير، اليمامة، بيروت، 1407هـ/ 1987م، ط.3، تحقيق: د. مصطفى ديب البغا.
    •  صحيح مسلم، تأليف: مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري، دار إحياء التراث العربي، بيروت، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي
    •  الصارم المسلول على شاتم الرسول، تأليف: أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس، دار ابن حزم، بيروت، 1417هـ، ط.1، تحقيق: محمد عبد الله عمر الحلواني، محمد كبير أحمد شودري.
    •  الطبقات الكبرى، تأليف: محمد بن سعد بن منيع أبو عبدالله البصري الزهري، دار صادر، بيروت.
    •  الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية، تأليف: شيخ الإسلام أبي العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، دار المعرفة، بيروت، تحقيق: قدم له حسنين محمد مخلوف.
    •  فتح الباري شرح صحيح البخاري، تأليف: أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، دار المعرفة، بيروت، 1379هـ، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، محب الدين الخطيب.
    •  فصول من السيرة لابن كثير؛ إسماعيل بن عمر بن كثير، مؤسسة الكتب الثقافية، 1993م.
    •  الفهرست، لابن النديم، المعرفة، بيروت، 1978م.
    •  الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي تحقيق: يحيى غزاوي، بيروت، دار الفكر، ط3، 1988م.
    •  الكفاية للخطيب البغدادي، تحقيق أبي عبد الله السورقي، إبراهيم المدني، المدينة، المكتبة العلمية، بدون تاريخ. 
    •  المجروحين، لابن حبان تحقيق: محمود زايد، حلب، دار الوعي.
    •  مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، تأليف: علي بن أبي بكر الهيثمي، دار الريان للتراث/‏دار الكتاب العربي، القاهرة، بيروت، 1407هـ.
    •  الأحاديث المختارة، تأليف: أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد الحنبلي المقدسي، مكتبة النهضة الحديثة، مكة المكرمة، 1410هـ، ط. الأولى، تحقيق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش.
    •  المدخل إلى علم التاريخ الإسلامي، د. محمد السلمي.
    •  مسند الإمام أحمد بن حنبل، تأليف: أحمد بن حنبل أبو عبدالله الشيباني، مؤسسة قرطبة، مصر.
    •  معجم مقاييس اللغة، تأليف: أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، دار الجيل، بيروت، لبنان، 1420هـ/ 1999م، ط. الثانية، تحقيق: عبد السلام محمد هارون.
    •  معرفة علوم الحديث، تأليف: أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري، دار الكتب العلمية، بيروت، 1397هـ/ 1977م، ط. الثانية، تحقيق: السيد معظم حسين.
    •  مقدمة ابن خلدون، تأليف: عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي، ط.5، دار القلم، بيروت، 1984م.
    •  الموافقات في أصول الفقه، تأليف: إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي، دار المعرفة، بيروت، تحقيق: عبد الله دراز.
    •  نزهة النظر، لابن حجر، تحقيق. د. نور الدين عتر، دار الخير، دمشق.