magazine slogan

مدخل

يأتي هذا البحث في سياق تأكيد الازدهار الذي عرفه المذهب الأشعري في المغرب بعد أن اعتمده الموحدون مذهبا رسميا للدولة، وما ترتب على ذلك من اكتساحه للمنطقة وسعة انتشاره. وقبل عرْض المصادر المغربية التي نَظَّرَتْ لهذا المذهب على عهد الموحدين نشير إلى الملاحظات التالية:
1 – استعملتُ في العنوان عبارة "المشاريع المغربية"، لأن منظِّري الدولة الموحدية، تميزوا بجَعْل رسائلهم وكتبهم وتعاليقهم عبارة عن مشاريع تهدف إلى محاربة "دولة المرابطين" وتأسيس دولة جديدة هي "دولة الموحدين". كما أن المتكلمين المغاربة الذين عاشوا خلال حُكْم الموحدين، كانوا يهدفون إلى تحقيق مشاريع بعضها كان على النقيض من مبادئ مؤسِّسي هذه الدولة، حيث وجدنا أغلبهم ينتقدون نظريتَي "العصمة" و"المهدوية" اللتين جاء بهما ابن تومرت.
2 - أقصد بعبارة "المشاريع المغربية" أمريْن: أولهما: المصادر المدوَّنة، وليس المخطَّطات التي وضعها أصحابها لتنفيذ مقصد عقدي، أو فقهي، أو سياسي، إلخ، مما هو موجود في بطون كتب الأخبار.
ثانيهما: المصادر المعرفية التي بُنِيت على أساس علمي، لا تلك التي بُنِيت على أساس سياسي أو إيديولوجي محض، من قبيل رسالة محمد بن تـومرت فـي "بـيـان طوائف الـمبطلين الـملثَّمين والمجسِّمين وعلاماتهم"() التي ألفها في رَمْي عقائد الملثمين بـ"التجسيم" و"التشبيه".
ومن ذلك أيضا، رسالته الموسومة بـ"الرسالة المنظمة"()، التي دعا فيها إلى جهاد المرابطين، وبعبارته: "جهاد المجسمين والمفسدين"، "الكفرة الملثمين"، "البرابر المفسدين"، "أولياء الشيطان، وأعوان الكفرة الملثمين"، "أهل التجسيم الملثمين، والبرابر المفسدين"، "أهل التجسيم والفساد"()، في مقابل أتباعه الذين اعتبرهم هم "أهل التوحيد"(). ولا يخفى الخلفية السياسية والإيديولوجية لمثل هذه الأحكام، حيث إن المرابطين لم يكونوا مجسمين، ولا مشبهين، بل كانوا على "مذهب السلف".
وعليه، فلم أجعل لمثل هذه المشاريع ذات الخلفية الإيديولوجية موضعا بين المصادر المغربية المندرجة في البحث.
3 - سأذكر خلال عرضي للمصادر المغربية للعقيدة الأشعرية الكتب التي عاش أصحابها من بين عام 541ﻫ/1147م وعام 668ﻫ/1269م، أي منذ ظهور الدولة الموحدية إلى سقوطها، لكن يُستثنى من ذلك بعض كتب منظر الدولة الموحدية ابن تومرت، لأنها بنيت على أساس سياسي أو إديولوجي.
4 – أقصد من لفظ "المغرب"، الوارد في البحث، المفهوم القديم الذي يرادف ما يسمى في عصرنا هذا بـ"المغرب العربي الكبير"().
5 - استثنيتُ مصنفات الأندلسيين، لأن المدرسة الأشعرية الأندلسية لها خصوصياتها التي تميزها عن الفكر الأشعري المغربي، ولهذا استعملتُ في عنوان البحث عبارة "المصادر المغربية" لا "مصادر الغرب الإسلامي".
6 – سأذكر في لائحة المؤلفين للمصادر الأشعرية عالما أشعريا على مذهب الإمام الشافعي فـي الفقه، وهو شرف الدين أبو محمد عبد الله بن محمد الفهري المعروف بابن التلمساني، وهذا راجع إلى أن الرجل، وإن كان من أصل تلمساني، فإن معظم حياته قضاها في مصر، وهذا لا يكسر قاعدة أن متكلمي الغرب الإسلامي كانوا على مذهب الإمام مالك في الفقه.
7 – اللائحة المذكورة أسفله ليست نهائية، إذ يمكن اعتبارها لبنة مشروع أكبر وأوسع، وقد راعيت في ترتيبها سنة وفاة المؤلفين بتقديم السابق على اللاحق، وإذا تعددت مؤلَّفات مؤلِّف واحد، فيُراعَى في ترتيب كتبه الترتيب الألفبائي.
8 – أغلب الكتب المخطوطة التي اعتمدت عليها في البحث، وأحَلْتُ إليها في الهوامش، محفوظة في الخزانة الحسنية بالرباط.
عرض المصادر
الإمامة، لأبي عبد الله محمد المهدي بن تومرت الموحدي (ت524ﻫ/1129م)(): ذكرها عبدالله ڰنون()، وهي رسالة في وجوب اعتقاد الإمامة على الكافة، وأنها ركن من أركان الدين.
وله أيضا:
❧ تسبيح البارئ سبحانه(): عبارة عن مناجاة في عظمة الخالق الذي دلت عظمة مخلوقاته ومقدوراته على وحدانيته.
❧ التسبيحان: ذكره عبد الله ڰنون()، وقد يكون المقصود به "تسبيح البارئ سبحانه"، وقد يكون المقصود به "شهادة الدلالات" الآتي ذكرها.
❧ التنزيهان: ذكره عبد الله ڰنون().
❧ التوحيد(): رسالة في أن التوحيد هو أساس الدين الذي بني عليه، وأن فروعه من أحكام فقهية وغيرها تثبت بعد العلم بثبوته.
وله بالعنوان نفسه:
❧ التوحيد: وهو كتاب باللغة الأمازيغية، رتبه ابن تومرت على سبعة أجزاء، بعدد أيام الأسبوع().
❧ توحيد البارئ سبحانه(): وهو على غرار "المرشدة".
❧ شهادة الدلالات(): عبارة عن تسبيحات تنزه الله تعالى، وتدل على عظمته، ووحدانيته، وإلهيته.
❧  عقائد في أصول الدين().
❧ العقيدة(): تكلم فيها على: فضل التوحيد ووجوبه، وضرورة العقل، والحدوث والعلم بوجود الخالق، والفعل والعلم بوجود البارئ، والمخلوق والخالق، والخالق واستحالة الشبَه، ونفي التشبيه بين الخالق والمخلوق، وحد العقول، ووحدانية الله في ملكه، وانفراد الخالق بالوحدانية، والعلم بوجوب وجود الله تعالى في أزليته، وقضاء الله وقدره، وانفراد البارئ  بالعدل والإحسان، وأسماء الله تعالى، ورؤية الله، والمعجزات.
ولعلها هي التي وَسَمَها محمد المختار السوسي، في "سوس العالمة" بــ "العقيدة"().
❧ العقيدة(): وهي غير "العقيدة" المذكورة أعلاه، ألفها ابن تومرت باللسان البربري، ثم ترجمها أحدهم إلى اللسان العربي، نزولا عند رغبة من طلب منه ذلك ليسهل حفظها، فقد جاء في خطبة المترجِم: "... وبعد، فإني وجدت هذه النكتة منسوخة بالبربرية..."().
هذا، وقد ورد عنوان هذا التقييد، في "كشاف الكتب المخطوطة بالخزانة الحسنية"، هكذا: "رسالة في العقائد"، مع عزوها إلى "مؤلف مجهول"()، حيث نقله منجزه من ورقة العنوان، المكتوبة بقلم حبر حديث. وقد ألغينا هذا الاختيار، وأثبتنا العنوان من خلال العبارة المذكورة في آخر التقييد، وهي: "تمت العقيدة المباركة".
أما المجهول، فهو المترجم، وليس المؤلف.
❧ القواعد().
❧ المُحْدث(): تكلم فيه على "الجواهر" و"الأعراض".
❧ المرشدة في العقائد(): ذكرها عبد الله ڰنون بعنوان "العقيدة المرشدة"()، ويذكرها العلماء اختصارا بعنوان "المرشدة"()، وتُعْرَف أيضا بــ"عقيدة التوحيد"(). وقد نسبها بعض النساخ إلى سعيد بن عبد النعيم، ونسبها آخرون إلى أبي حامد الغزالي، والصحيح أنها لمهدي الموحدين محمد بن تومرت().
❧ المعلومات(): تكلم فيه على أقسام "الموجود" و"المعدوم".
 تقييد في ذكر الحكمة العظمى في خلق الكلم وتسخير القلم، لأبي بكر محمد بن عبد الله بن العربي المعافري الإشبيلي (ت543ﻫ/1148م)(): وهو جزء من "رسالة ابن عربي إلى جميع الطالبين والسالكين سبيل المهتدين".
وله أيضا:
❧ الأمد الأقصى بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا().
❧ التمحيص: يفيدنا يوسف احنانة، أن هذا الكتاب، رد فيه القاضي ابن العربي المعافري على الفارابي وابن سينا في مسألة علم الله بالكليات دون الجزئيات، كما شمل الرد مَن تبع الفلاسفة في هذه المسألة مِن المتكلمين كالجويني، والكتاب لم تصلنا منه إلا شذرات().
❧ الدواهي والنواهي().
❧ رسالة الغرة في الرد على ابن حزم().
❧ العقد الأكبر للقلب الأصغر(): تميز ابن العربي المعافري، في هذه الرسالة، عن مؤلفي سائر العقائد المنثورة والمنظومة، بكونه لم يعتمد على البرهان في الاستدلال على مباحث الحكم العقلي ومسائل الذات والصفات والأفعال، وإنما عزز ذلك بالأدلة القرآنية، مما يجعلها أقرب إلى فهم عامة المسلمين، والتي لم يتنبه إلى أهميتها إلا المتأخرون، كالطرابلسي الخروبي في "عقيدته".
❧ العواصم من القواصم.
❧ كتاب الأفعال: تتوقف معرفة الله تعالى بأنه واحد على معرفة أسمائه، وصفاته، وأفعاله، ولتحقيق هذا الغرض أفرد ابن العربي المعافري كتابا للكلام على "الأسماء" و"الصفات"، وهو "الأمد الأقصى"، ثم أردفه بكتاب آخر للكلام على "الأفعال"، وهو "كتاب الأفعال"، فيكون بذلك متمِّما للمقصود منه، إذ قرَّر في خطبته، أنه لما فرغ "من شرح أسماء الله الحسنى وصفاته العلى في كتاب "الأمد الأقصى"، تعيَّن قصد الإكمال، والنظر في الأفعال، حتى لا يبقى على المريد لمعرفة التوحيد إشكال"()، وقد رتبه على حسب ترتيب سور القرآن الكريم، بحيث يذكر ما ورد في السورة من آيات تتعلق بـ"الأفعال"، ثم يشرحها بما ينسجم مع العقيدة السنية الأشعرية.
❧ كتاب المتوسط في معرفة صحة الاعتقاد والرد على من خالف السنة من ذوي البدع والإلحاد().
❧ كتاب المقسط في شرح المتوسط().
❧ نزهة الخاطر وتحفة الخواطر().
الوصول إلى معرفة الأصول().
الإعلام بحدود قواعد الإسلام، للقاضي عياض بن موسى اليحصبي (ت544ﻫ/1149م)(): عبارة عن كتاب "في تقريب العقائد إلى الناشئة والعامة"()، وقال فيه عبد الله الجراري: "تقييد هام، سهل التناول لجميع الطبقات، خاصة المبتدئين منهم"().
وله أيضا:
❧ الشفا بتعريف حقوق المصطفى: يظن عامة الباحثين، أن هذا الكتاب في "الشمائل النبوية"، والحال أنه يتقاطع مع "علم الكلام" لأربعة أمور على الأقل:
أولها: أن الداعي إلى تأليفه كان كلاميا، حيث إنه "يُعتبَر دعوة للرجوع إلى ما كان يؤمن به السلف، وإبرازا لمقام النبوة الذي تطاول عليه القائلون بعصمة المهدي"().
ثانيها: أنه ابتغى فيه إفراد جزئية من جزئيات "مبحث النبوات" من "علم الكلام"، وهي "المعجزة"، والتفصيل فيها، باعتبارها تمثل الدليل المعتبَر في "الصدق"، وهو أول ما يجب في حق الرسل عليهم الصلاة والسلام.
ثالثها: أن استمدادَ كل مباحث "علم الكلام" مِن "الحكم العقلي"، أي ما يجب وما يستحيل وما يجوز في حق الله تعالى، وكذا ما يجب وما يستحيل وما يجوز في حق الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وقد صرح القاضي عياض، أن أهم أقسام الكتاب هو القسم الثالث، وبعبارته: "هو سر الكتاب، ولباب ثمرة هذه الأبواب، وما قبله له كالقواعد والتمهيدات والدلائل على ما نورده فيه من النكت البيِّنات، وهو الحاكم على ما بعده، والمنجز من غرض هذا التأليف وعده"()، والقصْد من هذا القسم الذي كان جديرا بهذا الامتياز بين سائر أقسام الكتاب هو عرْض مطالب "مبحث النبوات" على ضوء "الحكم العقلي"، أي: "ما يستحيل في حقه ، وما يجوز عليه، وما يمتنع ويصح من الأمور البشرية أن يضاف إليه"().
رابعها: امتلأ الكتاب بآراء عقدية لأساطين الفكر الأشعري، كأبي الحسن الأشعري، وأبي بكر الباقلاني، وأبي المعالي الجويني، وابن فورك، إلخ.
العقيدة: لم تصلنا، وقد أوضح فيها منهج أهل السنة الأشاعرة().
 الدرة المفردة في شرح العقيدة المرشدة، لأبي العباس محمد بن أحمد ابن النقاش الأموي(): شرح ابن النقاش، في هذا الكتاب، "العقيدة المرشدة" لمحمد المهدي بن تومرت. وعلى الرغم من أن الشارح كان متصوفا، فإنه ألف شرحه بطريقة أهل الظاهر، واتسم بالدقة، وسعة الاطلاع على المذاهب والآراء الكلامية.
العقيدة البرهانية والفصول الإيمانية، لأبي عمرو عثمان بن عبد الله السلالجي الفاسي (ت574ﻫ/1178م)(): ذكرها ابن الأحمر بعنوان "البرهانية في أصول الدين"()، وتعرف اختصارا بـ"البرهانية"، وذكرها الحضيگي بعنوان "السلالجية"()  وقد ألفها لامرأة زاهدة اسمها خيرونة().
كانت لـِ"البرهانية" سلطة معرفية في الغرب الإسلامي، حيث كانت هي العقيدة المعتمدة في التدريس، في القرويين وغيرها، إلى أن جاء أبو عبد الله محمد بن يوسف السنوسي التلمساني (ت895ﻫ/1490م)، فاعتُمدت عقائده، خاصة "العقيدة الصغرى"، وأعرض الطلاب عنها.
وقد ألفت عليها شروح مغربية سنذكرها في موضعها()، وشرحها من المشارقة تقي الدين أبو الفتح مظفر بن عبد الله، المعروف بـ"المُقْتَرَح" (ت612ﻫ/1215م)().
❧ شرح العقيدة البرهانية:    نسب مترجمو السلالجي شرحا له على "عقيدته"، ويوجد شرح عليها في الخزانة الحسنية بالرباط()، نسبه الناسخ إلى السلالجي في بداية الكتاب، كما نسبه إليه محمد العابد الفاسي في "فهرس مخطوطات خزانة القرويين"()، والصحيح أنها ليست له، وذلك لأمرين:
- أولهما: أنه لم يعرف عن السلالجي أنه ألف مصنفا غير "البرهانية"؛
- ثانيهما: أن الشرح الذي بين أيدينا تتكرر فيه كنية عثمان السلالجي، وهي "أبو عمرو" على رأس عبارات البرهانية المراد شرحها، وهذا يقرر أن الشارح هو غير السلالجي.
ولعل نسبة هذا الشرح، في "كشاف الكتب المخطوطة بالخزانة الحسنية"، إلى مجهول أولى بالاعتبار والتحرير().
قصد السبيل في معرفة آية الرسول، لأبي جعفر أحمد بن عبد الصمد أبي عبيدة الخزرجي الأنصاري القرطبي الفاسي (ت582ﻫ/1180م)(): ويبدو من العنوان أن الكتاب مندرج في "مبحث النبوات" من "علم الكلام".
وله أيضا:
❧ مقامع هامات الصلبان وروائع رياض الإيمان: "ألفه لما كان في الأسر بطليطلة، يرد على بعض القسيسين والرهبان"().
أنس الوحيد ونزهة المريد في التوحيد، لأبي مدين الغوث شعيب بن الحسين (ت594ﻫ/1198م)(): وهـو من أَنْفَس كتب الـحكمة وأجلها، ولذا يعرف أيضا ب"حِكَم أبي مدين"().
وقد أكثر العلماء من الاقتباس منها().
ونلاحظ في هذا الكتاب، أن النزعة المغربية في بناء الثقافة والفكر على "الكلام الأشعري"، و"الفقه المالكي"، و"التصوف الجنيدي"، واضحة. ومن تجليات ذلك، أن موضوع الكتاب المذكور ينخرط ضمن مصنَّفات "التصوف"، بيد أنه يَعتبره كتابا في "التوحيد"، بدليل أن كلمة "التوحيد"، من المفردات المكوِّنة لصيغة العنوان، وكذا كلمة "المريد"، التي تعتبر من أهم وأبرز المصطلحات المتداوَلة لدى المتصوفة. أما الفقه، فحضوره لا يخفى على الناظر المتفحص، حيث صاغ عبارات فقهية وأصولية بدلالات إشارية.
ومن العبارات، التي تؤكد التداخل العميق، بين الأركان الثلاثة، في فكر أبي مدين الغوث، قوله: "إذا ظهر الحق، لم يبق معه غيره"()، حيث تحيلنا إلى أمرين على الأقل: أحدهما له صلة بـ"علم الكلام"، وثانيهما له صلة بـ "أصول الفقه".
أما الذي له صلة بـ"علم الكلام"، فهو عدم جواز التقليد في العقائد، إذ التقليد يكون في المسائل الخلافية، وما دام الحق واحدا، وهذا لا يُتصور إلا في العقائد، فلا تقليد فيه، والآخذ به يأخذه عن دليل.
وأما الذي له صلة بـ"أصول الفقه"، وهو مسألة ناقشها علماء هذا الفن، في مبحث "الاجتهاد والتقليد"، وهي: هل الحق واحد في مسائل "أصول الدين"؟
ويقول في تقرير التداخل بين "التوحيد" و"الأحكام الفقهية": "أنفع العلوم: العلم بأحكام العبيد. وأرفع العلوم: علم التوحيد"().
ومن تجليات التداخل بين "التوحيد" و"التصوف"، أن التصوف يصير دليلا على "التوحيد": "الفقر أمارة على التوحيد، ودلالة على التفريد"()، بل يصير التوحيدُ قولا شارحا للتصوف، حيث عرَّفه بقوله: "الفقر: أن لا تشهد عين سواه"()، ويصير التصوف أمارة على أن صاحبه على عقيدة أهل التسليم والتفويض، كما تدل على ذلك عبارته: "ثمن التصوف تسليمُ كُلِّكَ"().
فلا غرو، أن يتوسل العلماء بأبي مدين الغوث()، في تقريب بعض معاني الصفات، كالكشف عن معنى "القيام بالنفس" بقوله: "الحق تعالى مستبد، والوجود مستمد، والمادة من عين الوجود. فلو انقطعت المادة، لانْهَدَّ الوجود"()، وبيان المقصود بتعليق أحمد زروق (ت899ﻫ/1493م) عليه بقوله: "ومعنى مستبد: قائم بنفسه، لا يحتاج إلى غيره. والمستمد: طالب المادة، وهي لإيصال ما ينتفع به، والجود، والعطاء، الذي لا علة له"().
ويأتي زروق بأبي مدين للكشف عن غوامض بعض المسائل الكلامية، وبيان انفراده باجتهاد كلامي، لم يُسْبَق إليه. من ذلك، أنه يذكر مسألة أثارها أبو مدين، في "شرحه على عقيدة الإمام الغزالي" تتعلق بمبحث النبوة، وهي أن القرآن، نزل على قلب النبي محمد  "جملة، ثم منع النطق به إلى نزوله نجوما"، مما اضطره إلى ذكر ذلك لشيخه أبي عبد الله محمد بن يوسف السنوسي، فقال: "ليس في هذا ما ينكر، لأنه أمر جائز، لا يدفعه معارض"، ثم علق أحمد زروق بقوله: "هذا معنى كلامه، غير أنه نقل غريب، لم أقف عليه لغير هذا الشيخ"().
ومن تجليات التداخل بين الفقه والتصوف قوله: "من اكتفى بالكلام في العلم، دون اتصاف بحقيقته، تزندق، وانقطع. ومـن اكتفى بالتعبد، دون فقه، خرج، وابتدع. ومن اكتفى بالفقه، دون ورع، اغتر، وانخدع. ومن قام بما يجب عليه من الأحكام، تخلَّص، وارتفع"().
ومـن عباراته المؤكدة لأشعريته، قوله: "من ترك التدبير والاختيار، طاب عيشه"()، حيث تلوح منها نظرية الكسب الأشعرية، وهي الاعتقاد بأن الله تعالى، هو الخالق لأفعال العباد، والعبدُ مُكْتَسِبٌ.
ومن عباراته الواضحة في ذلك: "سنته  استدعاء العباد، لعبادته بسعة الأرزاق، ودوام المعافاة، ليرجعوا إليه بنعمته. فإن لم يفعلوا، ابتلاهم بالسراء والضراء، لعلهم يرجعون، لأن مراده ، رجوع العبد إليه، طوعا أو كرها"(). وفسر قوله : ﴿صراط الله﴾() بقوله: "الدلالة عليه، والتبري من الحول والقوة إليه"().
ويقول بلسان أهل العرفان: "ليس للقلب، إلا وجهة واحدة. فمهما توجه إليها، حجب عن غيرها"()، إذ لا يخفى المقصد الأخلاقي الحاضر في هذه العبارة، دون أن تكون في معزل عن مسألة من أهم المسائل، التي عالجها فقهاء المغرب، وهي: هل يجوز تقليد أكثر من إمام، في مسائل العبادات والمعاملات؟ أو لا يجوز؟
ويمكن أن نستنتج منها، أن أبا مدين الغوث لا يجيز الترقيع في التقليد().
ومن أهم ما ينص عليه علماء المقاصد، أن "الشريعة معللة بجلب المصلحة ودرء المفسدة"، بل هي قاعدة مُجْمَعٌ عليها(). ومـن العبارات، التي تـلوح بـهذا المعنى، قوله : "البصيرة: تحقيق الانتفاع"()، وقوله: "من ضيَّع حكمة وقته، فهو جاهل. ومن قصر عنها، فهو عاجز"().
ولا شك أن المصلحة المقصودة بالشرع، ليس صرف اللذة، كما قد ينصرف إلى الذهن، وإنما المصلحة التي تحقق الانتفاع، في الدنيا والآخرة، وبعبارة الفقهاء والأصوليين: "في المعاش والمعاد". ومن عبارات أبي مدين الغوث، التي تؤدي هذا المعنى: "من نظر إلى المكوَّنات نظر إرادة وشهوة، حجب عن العبرة فيها، والانتفاع بها"().
ويقول أيضا في هذا السياق: "التسليم: إرسال النفس في ميادين الأحكام، وترك الشفقة عليها من الطوارق والآلام"()، إذ إن العمل بالأحكام الشرعية، مع مراعاة مقاصدها، وإثبات عللها، يجعل العمل بها مقرونا بلذة، مما فيه تيسير عند الامتثال بها، ورفع لما يُظن أنه مبعث المشقة فيها. ولعل هذا هو مؤدَّى قوله: "استلذاذك بالبلاء، تحقيق الرضا"().
ويمكن أن نستفيد، من بعض عباراته، أن أبا مدين الغوث، كان من أهل التسليم والتفويض، أي أنه أشعري، بدون القول بالتأويل()، ومنها قوله: "احرص أن تصبح وتمسي مفوضا مستسلما، لعله ينظر إليك، فيرحمك"(). ومنها قوله: "لسان الورع، يدعو إلى ترك الآفات. ولسان التعبد، يدعو إلى الدوام بالاجتهاد. ولسان المحبة، يدعو إلى الذوبان، والهيمان. ولسان المعرفة، يدعو إلى الفناء، والمحو، والإثبات، والصحو"()، حيث لا مانع يمنعنا من أن نفهم من أن المقصود من كلمة "إثبات"، إثبات الصفات، بدون تأويل، ولا تشبيه. ناهيك عما تؤديه هذه القولة من التداخل بين "علم الكلام"، و"الفقه" (التعبد، الاجتهاد)، و"التصوف" (الورع، المحبة، الذوبان، الهيمان، المعرفة، الفناء، المحو، الصحو).
ومن أهم ما تلوح به "حِكَمُهُ"، أنه كان يحمل مشروعا من أهم المشاريع الكلامية، وهو التحذير من المبتدعة، ومحاربة الأفكار الضالة، التي كانت آثارها لا تزال باقية في عصره، أعني العصر الموحدي، على الرغم من الجهود الكبيرة، التي بذلها الموحدون، لتنقية عقائد النـاس منها، فقد قال: "احذر صحبة المبتدعة، اتقاء على نفسك. واحذر صحبة النساء، اتـقاء على قلبك"()، وقـال: "من كان فيه أدنى بدعة، فاحـذر مـجالسته، لئـلا يعود عـليك شؤمها، ولو بعد حين"().
وهذا يكشف عن الدور، الذي قام به التصوف المغربي العملي، في تجذير العقيدة الأشعرية في المغرب، ومحاربة أهل الأهواء والزيغ والبدع.
ولا يخفى أن تصوف أبي مدين الغوث يتخذ من التصوف الجنيدي معينا له، ومشربا. فأبو القاسم الجنيد من أهم الحلقات في سنده الصوفي(). ومعلوم أن تصوف هذا الأخير، ما هو إلا اتباع الكتاب والسنة، وهو من أبرز سمات التصوف المَدْيني. ومما قاله في تقرير ذلك: "من ضيَّع الفرائض، فقد ضيَّع نفسه"()، وقـال: "لا طريق أوصل للحق، إلا من متابعة الرسول  في أحكامه"().
وإذا كان الجنيد قد قال: "من زادك في التصوف، فقد زادك في التخلق"، فقد قال أبو مدين الغوث، ما يمكن أن نعتبره تفسيرا له: "حُسْنُ الخُلُق: معاملة كل شخص بما يؤنسه، ولا يوحشه"()، و"الشيخ: من هذبك بأخلاقه، وأدبك بإطراقه، وأنار باطنك بإشراقه"().
وإذا كانت طريقة الجنيد طريقة استقامة، لا طريقة كرامة، فقد قال أبو مدين الغوث: "إذا رأيتم الرجل، تظهر له الكرامات، وتنخرق له العادات، فلا تلتفتوا إليه. ولكن، انظروا كيف هو، عند امتثال الأمر والنهي"().
فإن كان التصوف مؤديا لهذه المقاصد، فهو المطلوب، وإلا كان هوى متبَعا، وبعبارته: "آفة الخَلْق حسن الظن، وآفة الصوفية اتباع الهوى"().
وهذا الارتباط، بين "التوحيد"، و"الفقه"، و"التصوف"، ليس غريبا عن الفكر الإسلامي، في أوج تقدمه، وهو القرن الثالث، حيث كان الحكيم الترمذي، ممن أضاف شرطا إلى شروط الاجتهاد. وهو الولاية، فلا يفتي المفتي، إلا إذا كان من أهل الولاية الخاصة().
ولا ريب أن هذا يحقق قاعدة هامة، وهي اتفاق المذاهب قاطبة على أن أصول العلم، التي تضبط حياة المسلمين عامة، والعلماء خاصة، تتصدرها العلاقة الروحية الإيمانية، التي من أجلها نزل القرآن، واعتبرها منطلقا ضروريا، ومقصدا أساسا، في بناء المجتمع الإسلامي السليم.
وعندما نشير إلى "العلاقة الروحية الإيمانية"، فإننا نقصد أصالةً حضورَ البُعْد الإيماني، أعني: التوحيدي الأشعري، في التجربة الروحية، حيث تداخل مفهوم "الكلام" مع مفهوم "التصوف"، عند المغاربة، في أحايين كثيرة، بل ذابا وامتزجا في مصطلح واحد، يدل عليهما معا، وهو مصطلح "التوحيد". ومن ذلك، ما قاله أبو مدين الغوث: "أنفع العلوم: العلم بأحكام العبيد. وأرفع العلوم: علم التوحيد"().
فـالتفاعل الـروحي، يظل وسيلة هامة للانفتاح المذهبي ـ عقديا وفقهيا ـ ، بحيث يصير الانفتاح،
بين المذاهب الإسلامية، طريقة روحية، لتعميق الوحدة الإسلامية، وتخصيب المذهبية الفقهية، على حد سواء.
ونستنتج، من خلال ما ذكرنا، أن أبا مدين الغوث، جمع بين الانفتاح على المشرق، والحفاظ على أصالته، باعتباره ينتمي إلى أمة، لها خصائصها التي تميزها.
لقد تشبَّع أبو مدين الغوث بالمشرب الصوفي المشرقي، عند التقائه بعبد القادر الجيلاني()، مع الحفاظ على المذهب المالكي في الفتوى والاجتهاد، باعتباره إطارا فقهيا، يحافظ على الوحدة السياسية في الغرب الإسلامي، الذي كان تحكمه آنئذ الأسرة الموحدية.
وبذلك، تكون العلاقة الروحية، بين أبي مدين المالكي والجيلاني الحنبلي، مظهرا لثلاث حقائق هامة:
أولاها: الترفع عن الخلافات المذهبية والفروع الفقهية؛
ثانيها: الحرص على الأساس العقدي، الذي يمثله المذهب الأشعري؛
ثالثها: الحفاظ على التآلف الديني العميق. وهذا ما يجعل القاعدة الروحية، منطلقا ضروريا، لتخصيب التراث الفقهي وتنويعه، والحفاظ على الهوية المذهبية، مع الانفتاح على المذاهب الأخرى، ومد الجسور معها.
وله أيضا:
❧ شرح عقيدة الإمام الغزالي: ذكره أحمد زروق، ونقل منه فقرة().
❧ عقيدة(): اكتفى أبو مدين، في هذه العقيدة، بالكلام على الذات الإلهية، وصفاتها، وأسمائها، وأفعالها، دون الكلام على ما يجب، وما يستحيل، وما يجور، في حق الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، كما هو ديدن أغلب العقائد.
ذُكِرت هذه العقيدة في "دائرة المعارف الإسلامية"().
ونستطيع تأكيد نسبنها إلى أبي مدين الغوث، من خلال القرائن التالية:
1 - ثبت اسمه في كِلا النسختين؛
2 - نستفيد من عبارات أبي مدين الغوث، في غير هذه "العقيدة"، أنه كان على مذهب أهل التسليم والتفويض، أي أنه أشعري، بدون القول بالتأويل، ومنها قوله: "احرص أن تصبح وتمسي مفوضا مستسلما، لعله ينظر إليك، فيرحمك"().
وقوله: "لسان الورع، يدعو إلى ترك الآفات. ولسان التعبد، يدعو إلى الدوام بالاجتهاد. ولسان المحبة، يدعو إلى الذوبان، والهيمان. ولسان المعرفة، يدعو إلى الفناء، والمحو، والإثبات، والصحو"()، حيث لا مانع يمنعنا من أن نفهم من أن المقصود من كلمة "إثبات"، إثبات الصفات، بدون تأويل، ولا تشبيه.
وهو ما تلوح به "العقيدة"، التي بين أيدينا، حيث تحريم القول بالتشبيه، وبعبارته: "ونعبدك، ولا نشبِّهك. ونعتقد أن من شبَّهك بخلقك، لم يعرف الخالق من المخلوق"، وأنه  "الذي تقدست عن سمات الحوادث ذاته، وتنزهت عن التشبيه بصفات الجسم صفاته"، إلخ، دون أي إشارة إلى التأويل، لا من قريب، ولا من بعيد. مما يعني أن الرجل سلفي العقيدة.
3 -  أن النفَسَ الذي كتِب به كتابه صحيح النسبة إليه، وهو "أنس الوحيد ونزهة المريد في التوحيد"، حاضرٌ في "العقيدة" التي بين أيدينا.
 كتاب الذهب الإبريز والمختصر الوجيز، لأبي العباس أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن يعلى البرنسي: ذكره صاحب "الروض العطر الأنفاس"، وقد وصفه صاحب المصدر الذي نقل منه هذا الأخير أخباره وكراماته بأنه "كتاب جليل في شرح أسماء الله الحسنى، معروف عند الناس"().
 التذكرة في أصول الدين، لأبي علي عبد الحق المسيلي().
 شرح العقيدة البرهانية، لأبي عبد الله محمد بن علي الفندلاوي، المعروف بـ"ابن الكتاني" (ت596ﻫ/1199م): ما زال هذا الشرح في حُكْمِ المفقود، ولولا النصوص المنقولة منه من لدن شُرّاح "العقيدة البرهانية" الذين جاؤوا بعد ابن الكتاني، كأبي الحسن علي بن عبد الرحمن اليفرني الطنجي (ت734ﻫ/1333م)()، وعبد الرحمن بن سليمان الجزولي السملالي (ت882ﻫ/1478م)()، وعبد الله بن عبد الرحمن المديوني، إلخ، لما عرفنا عنه شيئا. وتكمن أهمية هذا الشرح في كون صاحبه – أي ابن الكتاني – كان تلميذا مباشرا لمؤلف المتن المشروح().
وله أيضا:
❧ أرجوزة في علم الكلام().
 شرح العقيدة البرهانية، لمحمد بن عبد الرحمن الرعيني السرقسطي (ت598ﻫ/1201م): كان هذا الشرح من المصادر المعرفية الكلامية لدى عَلَمَيْن من أعلام الفكر الأشعري في المغرب، وهما أبو محمد عبد الله بن محمد الهبطي (ت963ﻫ/1556م) وأبو مهدي عيسى بن عبد الرحمن السُّكْتاني المراكشي (ت1062ﻫ/1652م)().
حسن العبارة في فضل الخلافة والإمارة، لأبي جعفر أحمد بن عتيق الذهبي البلنسي (ت601ﻫ/1204م)(): امتاز الأشاعرة بانشغالهم بمبحث "الإمامة"، حتى إن أبا الحسن علي بن إسماعيل الأشعري (ت324ﻫ/936م)، أقحمها في مباحث "علم الكلام"()، مع أن "الكلام، في هذا الباب، ليس من أصول الاعتقاد"(). وعنوان الكتاب، يوحي بأن البلنسي لا يعتبرها من قضايا "الحكم العقلي"، مما يلزم عنه عدم اعتبارها من مباحث "علم الكلام"، لأنه اعتبرها من قبيل "الفضل"، و"الفضل" مما لا يجب وجوده. ومع ذلك، فإن هذا الحكم يبقى قابلا للنقد والنقض ما دمنا لم نطلع على الكتاب.
  تحرير المقال في موازنة الأعمال وحكم غير المكلفين في العقبى والمآل، لأبي المجد (أبـي طالب)
عقيل بن عطية القضاعي المراكشي (ت608ﻫ/1211م)(): يُوسَم أيضا بــ "فصل المقال في الموازنة بين الأعمال"، وينتمي موضوعه إلى "قسم السمعيات" من "علم الكلام"، حيث تكلم فيه على موازنة الأعمال يوم القيامة، وتقسيم أهلها، وترتيب الجزاء من الثواب، والعقاب عليها.
    اعتنى فيه القضاعي بكتاب "موازنة الأعمال..."، تنقيحا، وتخليصا، وتهذيبا، واختصارا، مما جعله مبدعا في شرحه، حيث لم يكتف ببيان معانيه، وإنما تعرض أيضا لانتقاده، وتبيين وَهْمِ صاحب المتن المشروح، وتتميم معناه إن أخل به.
  شرح أسماء الله الحسنى، لأبي محمد عبد الجليل الأوسي الأنصاري، من أهل مدينة القصر الكبير (ت608ﻫ//1211م)().
  أرجوزة في علم الكلام، لأبي الحسن علي بن محمد الخزرجي الإشبيلي الفاسي، المعروف بابن الحصار (ت611ﻫ/1214م)().
    وله أيضا:
❧ تلقين الوليد وخاتمة السعيد: وهي عبارة عن "عقيدة"().
❧ شرج تلقين الوليد وخاتمة السعيد: عبارة عن شرح للعقيدة المذكورة وشيكا، وهو في أربعة مجلدات متوسطة().
    ❧ مقالة في الإيمان والإسلام().
  شرح العقيدة البرهانية، لأبي القاسم (أو أبي عبد الله) محمد بن عبد الله ابن الزق الزرهوني الفاسي (كان حيا عام 612ﻫ/1215م): مـا زال هـذا الشرح فـي حكم المفقود، وقد نقل منه بعض
شراح "العقيدة البرهانية" الذين جاؤوا بعده، كالمديوني().
 مقدمات المراشد إلى علم العقائد، لأبي الحسن علي بن أحمد ابن خُمَيْر الأموي السبتي (ت614/1217)(): يعتبر هذا الكتاب من أهم المصنفات في هذا الباب، بحيث إن المطلع عليه، لا يتردد في نعت مؤلِّفه ابن خمير السبتي بأنه غزالي المغرب في وقته.
وله أيضا:
❧ تنزيه الأنبياء عما نسب إليهم حثالة الأغبياء(): إن الحس النقدي، الذي امتاز به المؤلف، في هذا الكتاب، ودعوته إلى ضرورة المراجعة النقدية لِما هو شايع "من الأقوال، في كتب القصص، والتواريخ، وبعض التفاسير الفاسدة"()، وأيضا لما هو متداول، بين القصاص، والعوام، في الرواية الشفوية، تجعلنا لا نتردد بأنه رَازِيُّ زمانِهِ().
 الدرة السَّنية في المعالم السُّنية، لأبي عبد الله محمد بن عيسى ابن المناصف الأزدي الأندلسي، دفين مراكش (ت620ﻫ/1223م): أرجوزة عدد أبياتها سبعة آلاف بيت.
لباب العقول في الرد على الفلاسفة في علم الأصول، لأبي الحجاج يوسف بن محمد المكلاتي الفاسي (ت626ﻫ/1228م): أمـره يعقوب المنصور الموحدي بتأليفه()، وقد نقد فيه الفكر الفلسفي،
وكشف عيوبه ونواقصه().
مقالة في الإمامة الكبرى، لأبي الحسن علي بن محمد الكتامي الفاسي، المعروف بـ"ابن القطان" (ت628ﻫ/1230م)().
 أبكار الأفكار العلوية في شرح الأسرار العقلية في الكلمات النبوية، لأبي يحيى زكريا بن يحيى الشريف الإدريسي الحسني المغربي (كان حيا عام 629ﻫ/1231م): شرح فيه عقيدة أستاذه المُقْتَرَح، الموسومة بـ"الأسرار العقلية في الكلمات النبوية"، وهي عبارة عن شرح كلامي للحديث الذي روته "عائشة بنت سعد بن أبي وقاص ، عن أبيها، أنه دخل مع رسول الله  على امرأة، وهي بيدها نوى أو حصى تسبِّح، فقال: "أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا وأفضل، فقال: سبحان الله عدد ما خلق في السماء، وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض، وسبحان الله عدد ما بين ذلك، وسبحان الله عدد ما هو خالق، والله أكبر مثل ذلك، والحمد لله مثل ذلك، ولا إله إلا الله مثل ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك"().
وقد رواه المقترَح في مقدمة الكتاب بالسند المتصل إلى رسول الله ()، ثم شرحه في ثلاثة فصول: الأول في ذكر معاني الألفاظ الواردة في الحديث، والثاني في وجه ترتيبها، والثـالث في حُكْمِها.
وبيَّن الشريف الإدريسي منهجه في شرح "الأسرار العقلية" في مقدمته، وهو شرح لا يقتصر على بيان الغامض وحل المُقْفَل، بل ذكر أيضا موارد الضعف في أدلة المقترَح، يقول: "فإني قصدت إلى شرح العقيدة المسماة بـ"الأسرار العقلية في الكلمات النبوية"، تأليف الإمام العالم أبي العز، المعروف بـ"المقترَح، رحمة الله عليه، وقصدت إلى بسط ما رمز إليه من أدلتها، وتحرير ما أطال النَّفَس فيه منها، وزيادة أدلة في قواعدها، والتنبيه على ضعف بعض أدلتها بسبب بنائها على القول بالحال الذي هو عند المحققين محال، والإشارة إلى بعض ما رجع عنه من أدلتها، ولم يمكنه تلافيها لخروج النسخ في البلاد وإشاعتها"().
وله أيضا:
❧ كفاية طالب الكلام في شرح الإرشاد: شرح فيه كتاب "الإرشاد" لأبي المعالي الجويني().
❧ شرح الأربعين في أصول الدين: شرح فيه كتاب "الأربعين في أصول الدين" لفخر الدين محمد بن عمر الرازي (ت606ﻫ/1210م) ().
 لآيات البَيِّنات في ذكر ما في أعضاء رسول الله  من المعجزات، لأبي الحطاب عمر بن دحية، المعروف بابن الجميل (ت633ﻫ/1253م)(): يعالج مسألة "المعجزة" التي هي دليلُ أولِ واجبٍ من واجبات "النبوة"، وهو "الصدق"، وهو ـ كما لا يخفى ـ من صغريات "مبحث النبوات" من مباحث "علم الكلام".
  شرح أسماء الله الحسنى، لأبي العييش محمد بن أبي زيد ابن أبي العيش الأنصاري التلمساني (ت654ﻫ/1256م).
وله أيضا:
❧ الحقائق المصونة في الألفاظ الموزونة: نظم فيها أسماء الله الحسنى وصفاته، عدد أبياتها 1090 بيتا.
❧ كتاب الفصول في نُبَذٍ شافية من علم الأصول: والقصد إلى "علم أصول الدين"، ذكره في مقدمة كتابه "شرح أسماء الله الحسنى".
 أرجوزة في العقائد، لأبي الحجاج يوسف بن عمران المزدغي الفاسي (ت655ﻫ/1257م): ذكرها ابن الأحمر()، كما ذكرها عبد الله گنون بعنوان "أرجوزة في علم الأصول"، ووصفها بأنها "مفيدة، قريبة المرام"، ونقل أولها، وهو:
الـحمــد لله الـعلي الأعـلــى            رب العوالـي والعلى والسفلـى
ومـلــك الدنيا ويـوم الـدين            ومـبدع الـخـلق بـلا مــعـيــن
أحمــده حمدا يوازي فـضله            فليس شيء فـي الوجـود مثله().
 شرح معالم أصول الدين، لشرف الدين أبي محمد عبد الله بن محمد الفهري، المعروف بابن التلمساني (ت658ﻫ/1259م): عبارة عن شرح على كتاب "معالم أصول الدين" لفخر الدين الرازي. يوصَف بأنه "شرح"، وإن كان ابن التلمساني سماه "تعليقا"، فقد قال في أوله: "هذا تعليق جمعتُهُ على معالم أصول الدين للإمام فخر الدين محمد بن الخطيب، قدَّس الله روحَه، ونوَّر ضريحَه"().
وله أيضا:
    ❧ شرح لُمَع الأدلة في قواعد عقائد أهل السنة: عبارة عن شرح على "لُمَع الأدلة" لإمام الحرمين الجويني. ذكره ابن التلمساني في "شرح معالم أصول الدين"().
  عقيدة المزدغي: ذكره عبد الله ڰنون().
  أرجوزة في الكلام، لأبي الحسن الحصار: ذكرها عبد الله ڰنون().
وله أيضا:
البيان في تنقيح البرهان: ذكره عبد الله ڰنون().
شرح أرجوزة في علم الكلام: وهي الأرجوزة المذكورة وشيكا، ذكره عبد الله ڰنون().
  كتاب الإيمان التام بمحمد ؛، لأبي الحسن الحرالي المراكشي: ذكره عبد الله ڰنون().
  عصمة الأنبياء، لأبي الخطاب عمر بن الحسن ابن دحية، المعروف بــ "الجُميِّل": ذكره عبد الله ڰنون().
 الإسعاد في شرح الإرشاد، لأبي محمد عبد العزيز بن إبراهيم، المعروف بـ"ابن بزيزة" (ت662ﻫ/1264م): عبارة عن شرح لكتاب "الإرشاد" لأبي المعالي الجويني، وقد فرغ من تأليفه بتونس عام 644ﻫ(). ذكره أبو مهدي عيسى بن عبد الرحمن السُّكْتاني المراكشي (ت1062ﻫ/1652م) بعنوان "شرح الإرشاد"، ونقل منه().
وله أيضا:
❧ شرح العقيدة البرهانية: نشير إلى أن ابن بزيزة كان تلميذا لابن الكتاني، وأنه قرأ عليه "العقيدة البرهانية"، مما يجعل البصمات الكلامية لهذا الأخير ضربة لازب، ومن أهم ما يميز هذا الشرح الروح النقدية التي امتاز بها صاحبه، حيث لم يتردد في الرد على السلالجي والاعتراض على ما رآه ضعيفا من الأدلة التي أوردها في "البرهانية"()، ويفيدنا يوسف احنانة، أن هذا الشرح، "ظل مرجعا للعديد من مؤلفات العقائد في هذه الفترة، وفيما جاء بعدها، كما ظلت مواقفه، والنقول عنه، حجة يرجع إليها المتخاصمون والمدعون لمواقفهم العقدية فيما عرفوه من سجالات مذهبية في الغرب الإسلامي"().
❧ الرد على كتاب مناهج الأدلة: رد فيه على "مناهج الأدلة" للفيلسوف الأندلسي أبي الوليد ابن رشد (ت595ﻫ/1198م)، وما زال هذا الكتاب في حكم المفقود().
 نور القلوب في معرفة علام الغيوب، لأبي علي الحسن بن علي الماجري الآسَفِي الكفيف (تحوالي 668ﻫ/1269م)(): عبارة عن عقيدة على المذهب الأشعري، ابتدأها بالكلام على "الطبيعيات" (الجوهر، الجسم، العرض)، قبل أن يفصل الخطاب في أحكام "الإلهيات" و"النبوات". وقد أفادنا محمد بنشريفة أنه تأثر فيها بأبي حامد الغزالي، وبعبارته: "نهج فيها نهج البحث والنظر على طريق الأشاعرة، ويبدو أنها مستقاة من "الاقتصاد في الاعتقاد" للغزالي. ولعل مما يدل على ذلك ذكر الغزالي في المتن أكثر من مرة. ومما يدل على ذلك أيضا، أن للغزالي عقيدة سماها: "مكاشفة القلوب المقرب إلى علام الغيوب"()، وهو مشابه للعنوان المذكور أعلاه.
 أربعون مسألة في أصول الدين، لـمحمد بن خليل السَّكُونـي() الإشبيلـي القيروانـي (ق. 7ﻫ/13م): التـبس الأمر لـدى بعض البـاحثين، فنـسب هـذا الكتاب إلى عمر السكوني (الابن)،
كخير الدين الزركلي()، وعمر رضا كحاله()، ومحمد محفوظ().
بيد أن محقق الكتاب، ساق ما يكفي من الأدلة، التي تثبت أن الكتاب للسكوني الأب().
وله أيضا:
❧ كتاب التمييز لما أودعه الزمخشري من الاعتزال في تفسيره للكتاب العزيز(): كان هذا الكتاب مثارا للإشكال في نسبته، حيث نُسِب تارة إلى أبي عبد الله محمد بن خليل السكوني، وتارة أخرى إلى ولده أبي علي عمر بن محمد بن خليل السكوني.
ولعل هذا ما حدا بمحمد بن عمر بن أبي محلي، أن ينقل منه بيتين من الشعر، دون تعيين اسم المؤلف، حيث قال: "وقد أحسن ابن خليل إذ قال في أبيات، رد بها على الزمخشري في مسألة الرؤية..."().
وقد أخطأ أحمد بابا التنبكتي()، وأحمد بن المبارك اللمَطي السجلماسي()، وحاجي خليفة()، حين  نسبوه إلى عمر السكوني.
كما أخطأ تاج الدين السبكي في نسبته إليه في كتابه "طبقات الشافعية الكبرى"()، ونقل أبو سالم العياشي عن التاج السبكي كلاما يفيد أنه اطلع على الكتاب، وهذا نصه: "قال السبكي: لا تغتر بكلام أبي علي بن خليل السكوني المغربي، صاحب "كتاب التمييز على كشاف الزمخشري"، حيث تكلم فيه بعدما تكلم في الإمام الفخر نفسه باعتراضه على المتقدمين، كالأشعري فمن دونه من أتباعه، وهذا لا يعاب به العالم، والمغاربة لا يحتملون أحدا يعارض الأشعري في كلامه، والإمام لا ينكر عظمة الأشعري، كيف وهو على طريقه وبقوله يأخذ؟! ولكن، لم تزل الأمة يعترض متأخرها على متقدمها، ولا يشينه ذلك، بل يزينه"().
وقد تبعهم في ذلك كثير من المترجمين المعاصرين، كإسماعيل باشا البغدادي()، وخير الدين الزركلي()، وعمر رضا كحاله()، ومحمد محفوظ()، ومحمد بن عبد الله الرشيد().
والصحيح، أن الكتاب لأبيه محمد بن خليل، لكنه توفي قبل إتمامه، فأتمه نجله().
حقا، لقد نسب السكوني الابن هذا الكتاب إليه، في خطبة كتابه "مختصر في أصول الدين"، الذي ألفه باعتباره مقدمة وتمهيدا لكتاب "التمييز"()، وذكر؛ في رسالته "لحن العامة والخاصة في المعتقدات"؛ أنه من مصنفاته، حيث قال: "...وقد أشبعنا، في تفسير ذلك وغيره، من القواعد السنية، في مقدمة كتابنا المسمى بكتاب "التمييز لما أودعه الزمحشري من الاعتزال في تفسيره للكتاب العزيز"()، لكنه بَيَّن أن المقصود من ذلك، أنه صَنَّفَه بالاشتراك مع أبيه، حيث ابتدأه هذا الأخير، ثم توفي قبل إتمامه، فأتمه نجله، حيث قال في معرض التحذير من قراءة تفسير "الكشاف" للزمخشري: "وأما تفسير الزمخشري، فأكثره اعتزال، وفيه مواضع انتهى فيها إلى الكفر، والعياذ بالله. وقد صنفنا في الرد عليه كتابا سميناه بـ"التمييز بما أودعه الزمخشري من الاعتزال في الكتاب العزيز". كان قد ابتدأه والدي :، ثم مَنَّ الله في تكميله على يدي، والحمد لله على ذلك"().
وبما أنه هو الذي أتمه، فهذا يعني أنه هو الذي وضع له العنوان، لأن آخر ما يضعه المؤلف هو عنوان الكتاب. وقد صرح بذلك في الخطبة، إذ قال فيها: "... وسميته بـ"كتاب التمييز لما أودعه الزمخشري من الاعتزال في تفسيره للكتاب العزيز". وقد كان والدي :، ابتدأ هذا التأليف، ثم من الله سبحانه بإكماله على يدي، وله الحمد"().
وهذا يعني، أنه وضع له أيضا المقدمة، ومن البديهي أن لا يضعها السكوني الأب، لأنها آخر ما يصنعه المؤلف كما قلنا.
والظاهر أن السكوني الابن، وضع أيضا الباب الأول الذي افتُتِح به الكتاب، وهو "باب في ابتداء الرد على الزمخشري في مقاصده الاعتزالية، وآرائه المخالفة للقواعد السنية"()، حيث ذكر فيه أحد كتبه الصحيحة النسبة إليه، وهو "عيون المناظرات"().
ومما لاحظته، أن بدايات الكتاب، لا تخلو أيضا من تدخل السكوني الابن. فإذا صح هذا، فإن "الإكمال" لا يعني لديه الابتداء من حيث انتهى أبوه، وإنما يعني – علاوة على هذا المعنى – إضافة أشياء في الحيز الذي ألفه أبوه.
فإذا كان الأمر على هذا، فالأجدر، أن تكون النسبة، عند توثيق الكتاب، هكذا: "كتاب التمييز..." للسكونيَّيْن.
وقد ذكر التنبكتي، أنه وقف عليه()، ناسبا إياه إلى السكوني الابن، كما ذكرنا قبل حين، دون أن يتنبه إلى أن شطره الأول من تصنيف السكوني الأب. وهو معذور في ذلك، حيث إن أفكار الرجلين متشابهة، إلى حد يصعب التمييز بينهما.
شرح "التنبيه والإرشاد في علم الاعتقاد: المتنُ المشروحُ عبارة عن منظومة نظم بها أبو الحجاج يوسف بن موسى المعروف بالضرير (ت520ﻫ/1126م) كتابَ "الإرشاد" للجويني().
والراجح، أنه ألفه بعد رسالته "أربعون مسألة في أصول الدين"، حيث حصر فيها الشروط العقلية لقياس الغائب على الشاهد في أربعة، وهي: "الشرط"، و"الدليل"، و"العلة"، و"الحقيقة"(). بخلاف ما اعتمده في شرح "التنبيه والإرشاد"، حيث ذهب مذهب صاحب المنظومة، وهو أبو الحجاج الضرير، في إضافة ثلاثة شروط عقلية أخرى، وهي: "جائز العقل"، و"مستحيل العقل"، و"التسمية الوضعية"()، مما يدل على تطور فكري، ونضج كلامي. وهذا التطور والنضج يقف شاهدا على تأخر الكتاب الذي كان مَجْلًى لذلك، وهو شرح منظومة الضرير.
وقد نسبت بعض الفهارس هذا الشرح إلى عمر بن محمد بن خليل السكوني(). وذلك، استنادا إلى ما ورد في الخطبة، وهذا أولها: "يقول العبد الفقير إلى رحمة مولاه وغفرانه، الغني عن من سواه، عمر بن محمد بن خليل : وغفر له: كان والدي : قد أملى() هذا الشرح، فربما جرى() القلم، لدى الإملاء، ببعض أحرف، تحتاج إلى إصلاح، وتحرير. وربما وقع، في بعض التراجم، تقديم لشرحها عليها، أو تأخير، ولم يقض بجريان يده : على ذلك، بعد الإملاء، فيما علمت، على ما جرت به العادة في الأمالي، حتى توفي :، فرتبت ما أمكن من ذلك، برد لفظ الشرح إلى ما هو ينزل عليه، وحررت تلك الأماكن على ما تقرر من كلامه :، حين تدريسه لهذه الأرجوزة()، المرة بعد المرة، حتى كأنه هو المتولي لذلك، والله سبحانه ينفع بذلك، إنه ولي كريم"().
ولعل منجز "كشاف الكتب المخطوطة بالخزانة الحسنية"، اطمأن إلى نسبة بعضِ كتب التراجم المعاصرة الكتابَ إلى السكوني الابن، خاصة إسماعيل باشا البغدادي()، وخير الدين الزركلي()، وعمر رضا كحاله()، ومحمد محفوظ()، باعتبارهم مُلْتَحَد أغلب المفهرسين المعاصرين.
إن هذه الخطبة، تفيد أن أصل الكتاب لمحمد بن خليل السكوني، وأن ابنه عمر، لم يصنع أكثر من تصويب بعض الأخطاء الإملائية، التي ارتكبها من كانوا يكتبون أماليه من شرحه على "منظومة الضرير". فلا يمكن أن نسمي ما صنعه السكوني الابن تهذيبا، لأن هذا يستلزم حذفا، وإضافات، مما قد يجعل الكتاب مباينا، ولو قليلا، للكتاب الأصل، فنكون بصدد كتاب جديد.
ومما يمكن أن نستدل به على أن عمر السكوني، لم يعتبر عمله في كتاب أبيه تأليفا جديدا، أنه قال في آخر الكتاب: "قال الأستاذ() لطف الله به، عند إملائه عليَّ هذا التعليق على هذه الأرجوزة: "قد جهدت() استطاعتي، وذكرت لك – يا بني – ما حضرني في ذلك، على قدر إدراكي ومعرفتي، وأوردت ذلك من صدري، فمنه ما سمعت الأستاذ يقوله في مجلس الإقراء، ومنه ما رأيته في "الهداية" للقاضي، ومنه ما أنتجته القريحة من الأدلة الصحيحة...""()، حيث اعتبر التعليق - أي: الشرح – من إملاء أبيه. وكفى بذلك دليلا على أنه للسكوني الأب، لا السكوني الابن.
وقال الناسخ، في آخر الكتاب: "كملت رسالة "التنبيه والإرشاد في علم الاعتقاد" وشرحها، بيتا وشرحا..." ()، ولم يذكر كلمة "تصحيحا" التي هي صفةُ تدخُّل السكوني الابن في الكتاب.
هـذا من حـيث نفـي نسبـة الكتاب إلـى عمر السكوني، بالنظر إلى المخطوط نفسه، بيد أنها لا
تقدم لنا دليلا قويا على أن صاحب الكتاب هو أبوه محمد بن خليل السكوني.
وهذه بعض الأدلة، التي تدفع هذه الشبهة، وتقرر نسبته إلى السكوني الأب:
1 – انسجامه مع المنهج العام، الذي يضبط أفكاره، ويحدد المرتكزات البارزة لإصلاحه الديني عموما، والعقدي خصوصا. ومن ملامح هذا المنهج، أنه كان يرد على غير أهل السنة، ويثبت صحة معتقَد أهل الحق (= الأشاعرة) بما قل ودل، "ليجمع التنزيه والتعظيم، في الألفاظ القليلة"()، وهو أمر مَرْعِيٌّ بدقة في شرحه على "منظومة الضرير"؛
2 – تشابه أفكاره مع الأفكار الموجودة في سائر كتبه. من ذلك، أنه، في كتابه "أربعون مسألة في أصول الدين"، يعتبر كل من خالف أهل السنة - مرجئيا كان، أو خارجيا، أو غيرهما - معتزليا، وبعبارته: "كل من خالف مذهب أهل الحق، وهم الأشعرية، عدول هذه الأمة، معتزلي، لأنه من السنة وأهلها بمعزل"()، وهو عينه ما يقرِّره في "شرح التنبيه والإرشاد"، إذ قال: "فمذهب أهل الحق هو مذهب الأشعرية، وهم على ما كان عليه() النبي  وأصحابه [...] وهم أهل الحق. وما عداهم، فمعتزلة، لأن كل من اعتزل أهل السنة، وخالفهم، فهو مخطئ، قدريا كان، أو غيره"().
كما أن بعض العبارات، الجارية على الألسنة، ذكرها باللفظ نفسه، في كل من "شرح التنبيه والإرشاد" و"أربعون مسألة في أصول الدين"، من قبيل: "السيف يقطع"()، و"الطعام يشبع"()، و"الولد عند الوطء"()؛
3 – تشابه أسلوبه مع أسلوب سائر كتبه، بل إنه كثيرا ما يردد أفكارا بالصيغة نفسها. من ذلك، أن العبارة التي صاغ بها القواعد الكلامية يحافظ عليها في "شرح التنبيه والإرشاد"، كعبارة "الدليل مطرد غير منعكس، والطرد منعكس غير مطرد"().
4 – يرجح يوسف احنانا، في مقدمة تحقيقه لـ "أربعون مسألة في أصول الدين"، أن محمد بن خليل السكوني، ألف شرحه المذكور، أيام وجوده بالأندلس(). وهو، وإن لم يقدم دليلا على هذه الدعوى، إلا أنها دعوى صحيحة، حيث يذكر المؤلف في آخر الشرح، أنه ألفه في خضم "ضعف المادة، وتولي الأهوال"(). وهذا يقف شاهدا قويا على أنه ألفه في أشبيلية، التي كانت تعيش في أهوال هجمات، لا هوادة فيها، من قِبَل النصارى، مما اضطر الكثير من العائلات المسلمة للهجرة إلى شمال إفريقيا عموما، والمغرب خصوصا، وكان قَدَر أسرة السكوني أن تشد الرحال إلى تونس، للعيش في كنف الدولة الحفصية، التي كانت تمتاز بالقوة العسكرية، وبالعيش الرغيد، وبالنشاط العلمي، مما جعل القيروان ـ كما يقول أحمد زروق ـ "دار العلم والدين، قديما وحديثا"().
وهذا يستلزم، أن السكوني الأب، هو الذي ألف الشرح المذكور، لا السكوني الابن الذي هاجر مع أبيه صغيرا إلى القيروان، يعني قبل أن تنفتح لديه قريحة التأليف.
فالسكوني الابن توفي سنة 717ﻫ، وأشبيلية سقطت بيد النصارى سنة 646ﻫ. بمعنى، أن الحقبة الزمنية بين هاذين التاريخين هي إحدى وسبعون سنة. فلو افترضنا أنه عمَّر تسعين سنة ـ على أكثر تقدير ـ، فهذا يعني أنه خرج من أشبيلية وعمره ثمانية عشرة سنة.
ومـن المستبعد، بل من المحال، أن يؤلف كتابا في مستوى عمق "شرح التنبيه والإرشاد"، حيث
الناظر فيه لا يتردد في الحكم على مؤلفه بأنه قد أبدأ في "علم الكلام" وأعاد، وأنه قد ألفه بعد أن اكتمل نضجه الفكري والكلامي.
هذا إذا افترضنا أن السكوني الابن هاجر من أشبيلية وهو صغير السن، وأن نسلم بما ادعاه بعض المترجمين، حين وصفوه بقولهم: "نزيل تونس"()، أو "إشبيلي، نزل بتونس"(). وإلا، فمن حقنا أن نتساءل، كما تساءل أحد الباحثين: "هل وُلد في أشبيلية، قبل سقوطها في يد الإسبان، سنة 646ﻫ، وحمل منها صغيرا إلى تونس؟ أو ولد في مدينة أخرى من الأندلس، أو من المغرب؟"().
5 – أن النسخ المخطوطة الأخرى، ينسب نُسَّاخُها الشرحَ إلى السكوني الأب، لا السكوني الابن().
شرح مرشدة محمد بن تومرت: بعد أن يذكر محققها، أن الشكوك ثارت حول نسبة هذا الشرح لمحمد بن خليل السكوني، "فأحيانا تنسب إلى ابنه، وأحيانا أخرى إلى حفيده، من غير ما مرجح، ولا حجة"، أشار إلى أن المقارنة بين هذا الشرح ورسالة "أربعون مسألة في أصول الدين"، ولدت له "انطباعا أوليا بأن صاحبهما واحد، نظرا لوجود توجه مشترك بينهما، بل إننا – يقول المحقق – لاحظنا بعض الجمل ترد بنفس الصيغة في المؤلَّفيْن، وتحمل نفس القناعة من صاحبها". وبناء على ذلك، يرجِّح "أن تكون نسبة هذا الشرح لأبي عبد الله محمد بن خليل السكوني الإشبيلي نزيل تونس"().
بيد أنه لم يقدم أي مثال يدلِّل به على دعواه، مما يُحَمِّلنا مسؤولية توثيق الكتاب.
ومما يمكن أن نعتبره قرينة على نسبة هذا الشرح إلى السكوني الأب، أنه استعمل فيه العبارات نفسها التي استعملها في "أربعون مسألة في أصول الدين" في الطعن في المعتزلة، من قبيل عبارة: "تعالى الله عن مذهبهم علوا كبيرا"()، ونظيرها في "شرح مرشدة محمد بن تومرت": "تعالى رب العالمين على مذهبهم علوا كبيرا"().
هذا على مستوى العبارة.
أما على مستوى الأفكار، فإنها متشابهة في الكتابين المذكورين. مثال ذلك، أنه يذكر في "شرح مرشدة محمد بن تومرت"، أن الله تعالى "لا يتمثل في النفس، إذ ليس له مثل. فمن عرف نفسه على هذه الصفات، عرف ربه منزها عنها. فالعارف يعبد الله، والجاهل يكيف صورة، ويستقبلها بعبادة ربه. فمن شبَّه، أو مثَّل، أو كيَّف، أو صوَّر، فما استقبل ربه بعبادته يوما قط"().
وهـي الفكرة نفـسها التي جـعلها محمد بن خليل السكوني مقدمة لرسالته "أربعون مسألة في
أصول الدين"، مع شيء من التفصيل()، قبل أن يبدأ في عرض المسائل الأربعين. ومما قرره، خلالها، "أن غير العارف، إنما يصوره في نفسه، أو يضرب مثالا، أو يشبه، فيدعو لذلك المثال، والله سبحانه على خلاف ذلك"()، مع تعزيز ذلك بآيات قرآنية()، وبعض الأحاديث والآثار.
 شرح العقيدة البرهانية، لأبي بكر محمد بن أحمد الأنصاري الإشبيلي التازي، المعروف بـ"الخفاف" (توفي في النصف الأول من ق. 7ﻫ/13م)(): من أهم المصادر المعرفية التي اعتمد عليها الخفاف في تأليف هذا الشرح: "الإرشاد" و"العقيدة النظامية" كلاهما لأبي المعالي الجويني، و"الرسالة القدسية" و"الاقتصاد في الاعتقاد" كلاهما لأبي حامد الغزالي، علاوة على بعض مؤلفات الإسفراييني. وقد كان أكثر شروح "البرهانية" ذيوعا وانتشارا بين أوساط العلماء().
وله أيضا:
❧ اقتطاف الأزهار واستخراج نتائج الأفكار لتحصيل البغية والمراد من شرح الإرشاد: شرح فيه كتاب "الإرشاد" لأبي المعالي الجويني، ولا يزال مفقودا لحد الآن().
 إقامة الحجة في الرد على ما أحدثه المبتدعة، لأبي محمد عبد الله بن موسى الفشتالي (توفي أواسط ق. 7ﻫ/13م)(): تكلم فيه على البدعة، وماهيتها، وأنواعها، مع تسليط الضوء على البدع ذات الصلة بالعقيدة، لأن البدعة في الأصل يترتب عليها فساد ما يبنى عليه، أما لحوق البدعة في الفرع، فلا يستلزم ذلك، وبعبارته: "وإن لم يجبر الفرع لم تبطل بالكلية منفعة الأصل".
9
من النتائج التي نصل إليها بعد هذا الثـبَت:
1 – أغلب الشروح دارت حول متنين عقديين، أحدهما مشرقي، وهو "الإرشاد" لأبي المعالي الجويني، وثانيهما مغربي، وهو "البرهانية" للسلالجي.
2 – المتون المعرفية التي كانت لها سلطة معرفية في الفترة الموحدية()، هي "العقيدة المرشدة" لابن تومرت، و"البرهانية" للسلالجي، و"نور القلوب" للماجري، ولم تتلاش هذه السلطة إلا بظهور رائد الفكر الأشعري في الغرب الإسلامي أبي عبد الله محمد بن يوسف السنوسي، حيث حازت عقائده() هذه السلطة من العهد الوطاسي إلى الآن.
3 – كان للفكر الأشعري لدى الجويني سلطة معرفية على الفكر الأشعري المغربي، خاصة من خلال كتابه "الإرشاد"، حيث إن أغلب المؤلفات الأشعرية المغربية كانت عبارة عن شروح على "الإرشاد"، أو اختصار له، أو نَظْم له()، وهذا ما جعل هذا الكتاب "ثابتا تعليميا في أسلاك التعليم بالغرب الإسلامي، يحمل مراتب تعليمية في عملية تدرج المتلقي في المذهب ومراتبه، بحيث كانت إجازات العلماء تعطى عليها، ولم يكن الواحد من الأئمة يَصِلُ هذه الدرجة، ما لم يقرأ
على إمام قبله كتاب "الإرشاد" أو شرحا من شروحه"().
4 – لم ينفرد الجويني بهذه السلطة المعرفية، بل كان لمفكرين أشعريين مشرقيين آخرين حضور قوي في الفكر الأشعري المغربي، وهما:
أ) أبو حامد الغزالي: ومن تجليات ذلك، انتصارهم لكتاب "إحياء علوم الدين"، وكثرة النقل من كتبه، بل وجدنا الماجري يَسِمَ عقيدته بعنوان "نور القلوب في معرفة علام الغيوب"، وهو عنوان مقتبَس من عنوان كتاب للغزالي وهو "مكاشفة القلوب المقرب إلى علام الغيوب".
ب) فخر الدين الرازي: ومن تجليات ثلاثة أمور:
أولها: أنهم اهتموا بشرح كتابه "الأربعين في أصول الدين"، وقد ذكرنا من هذه الشروح شرح الشريف الإدريسي.
ثانيها: أنهم نسجوا كتبا على منوال هذا الكتاب، ومن نماذج ذلك كتاب "أربعون مسألة في أصول الدين" لمحمد بن خليل السكوني.
ثالثها: أنهم أبدوا عناية كبيرة بكتابه "معالم أصول الدين"، فقد "شرحه الإمام شرف الدين ابن التلمساني، واختصره الشيخ الإمام محمد بن عبد السلام الهواري، واعتمده الشيخ الإمام محمد بن عرفة التونسي كواحد من أمهات المراجع في مختصره الكلامي المعروف بالمختصَر الشامل في أصول الدين"().
5 – لم تكن هذه السلطة المعرفية تعني أن متكلمي المغرب كانوا مجرد مقلدين للجويني والغزالي والرازي، إذ إنهم اعتمدوا فكرهم دون تقليد، لذا خالفوهم في كثير من آرائهم العقدية.
6 – لم يكن أشاعرة المغرب في معزل عن الرد على الفلسفة والفلاسفة، وقد ذكرنا من الكتب في هذا الموضوع رد ابن بزيزة على "مناهج الأدلة" لابن رشد، و"لباب العقول" للمكلاتي، و"التمحيص" لأبي بكر بن العربي المعافري.
7 – أفرد متكلمو المرحلة الموحدية مؤلفاتهم الكلامية بجزئيات كلامية بعينها، من قبيل "الشفا" الذي أفرده القاضي عياض للكلام على معجزة النبي ، و"عصمة الأنبياء" لابن الجميِّل، و"تنزيه الأنبياء" لابن خُمَيْر السبتي، إلخ.
8 – لم يتوقف هَمّ استئصال بقايا الأفكار العقدية غير السنية في المرحلة الموحدية، حيث انبرى متكلمو المغرب لتحقيق هذا المقصد من خلال مستويين:
المستوى الأول: الرد على الأفكار العقدية غير السنية الرائجة في الكُتُب، ولعل أفضل نموذج نمثل به لذلك كتاب "التمييز" الذي ابتدأ تأليفه محمد بن خليل السكوني، وأتمه نجله عمر بن محمد السكوني، وهو في الرد على العقائد الاعتزالية المبثوثة في تفسير "الكشاف" للزمخشري.
المستوى الثاني: التنبيه على العبارات المتداولة على ألسنة العوام مما فيه مخالفة لعقائد أهل السنة، وأبرز مَن قام بهذه الوظيفة عمر بن محمد السكوني في رسالته "لحن العامة والخاصة في المعتقدات"().
9 – مما يؤكد اهتمام علماء المرحلة الموحدية بالحديث النبوي، واجتهادهم في خدمته()، أنهم انشغلوا بالكشف عن العقائد الأشعرية من خلال النظر في الأحاديث النبوية وتفسيرها تفسيرا كلاميا، وقد ذكرنا من الكتب في ذلك "أبكار الأفكار" للشريف الإدريسي.
10 – تميزت المرحلة الموحدية بتداخل "العقيدة الأشعرية" و"الفقه المالكي" و"التصوف الجنيدي"، ومن أبرز الكتب التي قرَّرَت هذا التداخل كتاب "أنس الوحيد ونزهة المريد في التوحيد" لأبي مدين الغوث.

روابط مهمة

-

-

-

-

-

-

-

الواضحة - مجلة علمية محكّمة

الواضحة مجلة علمية محكّمة تصدر عن دار الحديث الحسنية للدراسات الإسلامية العليا بالرباط.

المدير المســؤول: مدير دار الحديث الحسنية أ.د   أحمد الخمليشي.

التنسيق والتحرير: د. الناجي لمين د. محمد ناصيري د. عبد المجيد محيب.

سكرتير التحريــــــر: عبد الرحيم مطر.

الناشـــــــــــــــــــــــــــر: دار الحديث الحسنية مطبعة الأمنية - الرباط.